الأولى كالأربعة، و الطبيعة كالخمسة، و
الجسم كالستة، و الفلك كالسبعة، و الأركان كالثمانية، و المولودات كالتسعة.
و من وجه آخر نسبة النفس من العقل كنسبة ضوء القمر من نور الشمس، و
نسبة العقلى من الباري كنسبة نور الشمس من الشمس، و كما أن القمر إذا امتلأ من نور
الشمس حاكى نوره نورها، كذلك النفس إذا قبلت فيض العقل، فاستتمّت فضائلها، حاكت
أفعالها أفعال العقل. و إنما تستتم فضائلها، إذا هي عرفت ذاتها و حقيقة جوهرها؛ و
إنما تستبين لها فضائل جوهرها، إذا هي عرفت أحوال عالمها الذي هو صورة الإنسانية.
لأن الباري تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، و صوّره أكمل صورة، و جعل صورته مرآة
لنفسه، ليتراءى فيها صورة العالم الكبير. و ذلك أن البارى، جل جلاله، لما أراد أن
يطلع النفس الإنسانية على خزائن علومه، و يشهدها العالم بأسره، علم أن العالم واسع
كبير، و ليس في طاقة الإنسان أن يدور في العالم حتى يشاهده كله لقصر عمره و طول
عمران العالم، فرأى من الحكمة أن يخلق لها عالما صغيرا مختصرا من العالم الكبير، و
صوّر في العالم الصغير جميع ما في العالم الكبير، و مثّله بين يديها، و أشهدها
إياه، فقال، عزّ من قائل، و أشهدهم على أنفسهم: أ لست بربكم؟ قالوا بأجمعهم:
بلى. فمن كان منهم شاهدا عالما عارفا حقيقته، كانت شهادته عليه حقّا،
و من كان جاهلا، كانت شهادته مردودة؛ لأنه قال عز و جل: إلّا من شهد بحق و هم
يعلمون. أ لا ترى أنه لا يقبل إلّا شهادة أهل العلم؟
ثم اعلم أن افتتاح جميع العلوم هو في معرفة الإنسان نفسه، و معرفة
الإنسان تكون من ثلاث جهات، أحدها أن يعتبر أحوال جسده، و تركيب بنيته، و ما يتعلق
عليه من الصفات خلوا من النفس. و الآخر اعتبار أحوال نفسه، و ما يوصف من الصفات
خلوا من الجسد. و الآخر اعتبار أحوالهما مقترنين جميعا، و ما يتعلق على الجملة من
الصفات. و قد بينّا في رسالة