فقال المستبصر الفارسي: نعم أيها الملك، ليس
ذلك من جهة الدين، لأن الدين لا إكراه فيه، و لكن من جهة سنّة الدين الذي هو
الملك.
قال: و كيف ذلك؟ بيّنه لي.
قال: إن الدين و الملك أخوان توأمان لا يفترقان، و لا قوام لأحدهما
إلا بأخيه، غير أن الدين هو الأخ المقدّم و الملك هو الأخ المؤخّر المعقّب له، فلا
بد للملك من دين يدين به الناس، و لا بد للدين من ملك يأمر الناس بإقامة سنته طوعا
أو كرها. فلهذه العلّة يقتل أهل الديانات بعضهم بعضا، طلبا للملك و الرئاسة. كل
واحد يريد انقياد الناس أجمع لسنّة دينه و أحكام شريعته. و أنا أخبر الملك، وفقه
اللّه لفهم الحقائق، و أذكّره بشيء يقين لا شك فيه.
قال الملك: و ما هو؟
قال: إن قتل الأنفس سنّة في جميع الديانات و الملل و الدول كلها، غير
أن قتل النفس في سنّة الدين، و هو أن يقتل طالب الدين نفسه، و في سنّة الملك أن
يقتل طالب الملك غيره.
فقال الملك: أما قتل الملوك غيرها في طلب الملك فبيّن ظاهر. و أما
قتل طالب الدين نفسه في سائر الديانات فكيف هو؟
قال: نعم، أ لا ترى أيها الملك أن ذلك سنة دين الإسلام كيف هو بيّن
ظاهر، و ذلك قول اللّه تعالى: «إِنَّ اللَّهَ
اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ». ثم قال: «فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ». و قال: «يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ
لائِمٍ». و قال: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا». و قال في سنة التوراة: «فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ».
و قال المسيح، 7، في الإنجيل:
«مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ، قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ. فقال: استعدوا للقتل و الصلب إن كنتم تريدون أن تنصروني