ألذّ ما يأكلون العسل الذي هو بصاق أضعف الحيوانات
الصغيرة الجثة، الضعيفة البنية، الشريفة النفس، الحاذقة في الصنعة، و أحسن ما
يوقدون في مجالسهم الشمع الذي هو فضلة من فضالة النحل. و جعل أيضا أفخر ما يتزينون
به الدّرّ الذي يخرج من جوف هذه الدودة الصغيرة الجثة، الشريفة النفس، ليكون دلالة
على حكمة الصانع الخالق الحكيم، ليزدادوا به معرفة، و لنعمائه شكرا، و في مصنوعاته
فكرة و اعتبارا. ثم هم مع هذه كلها معرضون غافلون ساهون لاهون طاغون باغون، و في
طغيانهم يترددون، لإنعامه كافرون، و لآلائه جاحدون، و لصنعته منكرون، و على ضعفاء
الخلق مفتخرون متعدّون جائرون ظالمون.
فلما فرغ الصرصر، و هو زعيم الهوامّ، من كلامه، قال الملك: بارك
اللّه فيك من حكيم ما أبلغك، و من متقن ما أحكمك، و من خطيب ما أفصحك، و من موحّد
ما أعرفك بربك، و من ذاكر شاكر لإنعامه ما أفضلك!
فصل
ثم قال الملك للإنسي: قد سمعتم ما قال، و فهمتم ما أجاب، فهل عندكم
شيء آخر؟
قال: نعم، خصال و مناقب تدل على أنهم عبيدنا، و نحن أرباب.
قال: و ما هي، اذكرها.
قال: وحدانية صورتنا، و كثرة صورها، و اختلاف أشكالها، فإن الرئاسة و
الربوبية بالوحدة أشبه، و العبودية بالكثرة أشبه.
فقال الملك للجماعة: ما ذا ترون فيما قال و ذكر؟
فأطرقت الجماعة ساعة مفكرة فيما قال. ثم تلكم زعيم الطيور، و هو