ثم لما وصل الرسول إلى ملك حيوان البحر و هو التّنّين، و عرّفه
الخبر، نادى مناديه، فاجتمعت إليه أصناف الحيوانات البحرية، من التنّانين، و
الكواسج، و التماسيح، و الدلافين، و الحيتان، و السموك، و السرطانات، و الكرازنك،
و السلاحف و الضفادع، و ذوات الأصداف و الفلوس، و هي نحو سبعمائة صورة مختلفة
الألوان و الأشكال. فعرّفها الخبر و ما قاله الرسول.
ثم قال التنين للرسول: بما ذا يفتخر بنو آدم على غيرهم، أ بكبر الجثة،
أم بالشدة و القوّة، أو بالقهر و الغلبة؟ إن كان افتخارهم بواحدة منها، ذهبت إلى
هناك، و نفخت نفخة واحدة أحرقتهم من أولهم إلى آخرهم، ثم جذبتهم برجوع نفسي،
فبلعتهم.
قال الرسول: لا يفتخرون بشيء من ذلك، و لكن برجحان العقل، و فنون
العلم، و غرائب الأدب، و لطائف الحيل، و دقة الصنائع، و الفكر، و التمييز، و
الرويّة، و ذكاء النفس.
قال التنين: صف لي شيئا منها لأعلمه.
قال: نعم أيها الملك، أ لست تعلم أن بني آدم ينزلون بحيلهم و علومهم
و حكمهم إلى قرر البحار الزاخرة المظلمة، الكثيرة الأمواج، ليستخرجوا من هناك
الجواهر من الدّرر و المرجان؛ و هكذا يعملون الحيلة، و يصعدون إلى رءوس الجبال
الشامخة، فينزلون منها النسور و العقبان. و هكذا بالحيلة يعملون العجلة من الخشب،
و يشدّونها في صدور الثيران و أكتافها، ثم يحملون عليها الأحمال الثقال، و
ينقلونها من المشرق إلى المغرب، و من المغرب إلى المشرق، و يقطعون البراري و
القفار و المفاوز. و هكذا بالعلم و الحيلة يبنون السفن و المراكب، و يحملون فيها
الامتعة، و يقطعون بها سعة البحار البعيدة الأقطار. و هكذا بالعلم و الحيلة يدخلون
في كهوف