فأطرقت الجماعة. ثم قال الملك: أنا أسير
بنفسي، و أنا أنصحكم.
فقالت الجماعة فيما قال الملك: لا.
قال الحكيم من النحل: أنا أقوم بهذا الأمر بعون اللّه و مشيئته.
قال الملك و الجماعة: خار اللّه لك فيما عزمت عليه و نصرك و أظفرك
على خصمائك و من يريد غلبك و عداوتك.
ثم ودّعهم و تزوّد و رحل، حتى قدم على ملك الجن، و حضر المجلس مع من
حضر من غيره من سائر أصناف الحيوان.
فصل
و لما وصل الرسول و هو البغل إلى ملك الجوارح و هو العنقاء، و عرّفه
الخبر، نادى مناديه، فاجتمعت عنده أصناف الجوارح من النسور و العقبان و الصّقور و
البزاة و الشّواهين و الحداء[1] و الرّخم
و البوم و الببغاء، و كلّ طير ذي مخلب مقوّس المنقار يأكل اللحم. ثم عرّفها الخبر
و ما جاء به الرسول من اجتماع الحيوانات بحضرة ملك الجن للمناظرة مع الإنس. قال
الملك لوزيره كركدّن: أ ترى من يصلح من هذه الجوارح أن نبعثه إلى هناك لينوب عن
الجماعة من أبناء جنسه بالمناظرة مع الإنس؟
قال الوزير: ليس فيها أحد يصلح لهذا الأمر غير البوم.
قال: لم ذلك؟
قال: هذه الجوارح كلها تنفر من الإنس و تفزع منهم و لا تفهم كلامهم و
لا تحسن مخاطبتهم و لا تجاورهم، و أما البوم فهو قريب المجاورة لهم في ديارهم
العافية و منازلهم الدارسة و قصورهم الخربة، و ينظر إلى آثارهم القديمة،
[1] -الحداء: جمع الحدأة، طائر يصطاد الجرذان، و يعرف
عند العامة بالشوحة.