و خلفا و قدّاما، و من أجل هذا إذا نتف من
أحد جناحيه طاقات ريش، اضطرب في طيرانه كرجل أعرج في مشيته، إذا كانت إحدى رجليه
أطول و الأخرى أقصر. و من أجل ذلك أيضا متى نتف من ذنبه طاقات ريش اضطرب في طيرانه
مكبوبا على رأسه كمثال زورق أو سمارية في الماء في ثقل صدرها و خفّة كوثلها[1]. و من أجل هذا صار بعض الطيور إذا
مدّ رقبته إلى قدّام، مدّ رجليه إلى خلف، ليتوازن ثقل رجليه بثقل رقبته،
كالكراكيّ. و من الطير ما يطوي رقبته إلى صدره، و يجمع رجليه تحت بطنه في طيرانه،
كمالك الحزين. و على هذا المثال حكم سائر الطيور و الحشرات في طيرانها.
فصل في بيان بدء الخلق
يقال إنه لما توالدت أولاد بني آدم و كثرت و انتشرت في الأرض برّا و
بحرا، و سهلا و جبلا، متصرّفين فيها في مأربهم، آمنين بعد ما كانوا قلقين خائفين
مستوحشين من كثرة السباع و الوحوش في الأرض، و كانوا يأوون في رءوس الجبال و
التلال متحصّنين فيها و في المغارات و الكهوف، و يأكلون من ثمر الأشجار و بقول
الأرض و حبّ النبات، و كانوا يستترون بأوراق الشجر من الحر و البرد، و يشتّون في
البلدان الدفيئة، و يصيّفون في البلدان الباردة، ثم بنوا في سهول الأرض الحصون و
القرى و المدن و سكنوها.
ثم سخّروا من الأنعام البقر و الغنم و الجمال، و من البهائم الخيل و
البغال و الحمير، و قيّدوها و ألجموها و صرفوها في مآربهم من الركوب و الحمل و
الحرث و الدّراس؛ و أتعبوها في استخدامها، و كلّفوها أكثر