و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن الباري الحكيم لما
خلق الحيوانات التامّة البنية قسم بنية أجسادها نصفين اثنين: يمنة و يسرة ليكون
مطابقا لأول العدد، و للأمور المثنويّة العنصرية التي ذكرناها في رسالة المبادي، و
جعلها ثلاث طبقات وسطاء و طرفين ليكون مطابقا لأوّل عدد فرد، و للأمور ذوات
الأوساط و الطّرفين. و جعل مزاج أبدانها من أربعة أخلاط مطابقا لأول عدد مجذور، و
مطابقا أيضا لأربع طبائع بعدد الأركان الأربعة، و جعل لها خمس حواسّ درّاكة لصور
المحسوسات، و مطابقا لأول عدد دائر و لعدد الطبائع الأربع، و الخامسة الطبيعة
الفلكيّة. و جعل فيها قوّة تتحرّك بها إلى ستّ جهات مطابقا لأول عدد تام، و لعدد
سطوح المكعّب، و جعل في أبدانها سبع قوى فعّالة مطابقا لأول عدد كامل، و لعدد
الكواكب السيّارة. و جعل في أبدانها ثمانية مزاجات: أربعة مفردة، و أربعة مزدوجة
مطابقا لأول عدد مكعّب، و لعدد مناسبات الموسيقى. و جعل تركيب أبدانها و تأليف
أجسادها من تسع طبقات مطابقا لأوّل عدد فرد مجذور، و لعدد طبقات الأفلاك المحيطات.
و جعل في أبدانها اثني عشر ثقبا أبوابا لحواسّها و مآربها مطابقا لأول عدد زائد، و
لعدد بروج الفلك. و أسّس بناء أجسادها على أعمدة ظهورها ثمانيا و عشرين خرزة
مطابقا لعدد تام، و لمنازل القمر. و جعل في أبدانها ثلاثمائة و ستين عرقا لجريان
الدم إلى سائر أطراف أبدانها مطابقا لعدد درج بروج الفلك، و لعدد أيام السنة. و
على هذا القياس و المثال إذا عدّ و اعتبر وجد عدد كل عضو مطابقا لعدد جنس من
الموجودات. فقد تبيّن بما ذكرنا معنى قول الحكماء الفيثاغوريين أن الموجودات بحسب
طبيعة العدد، و ذلك تقدير العزيز العليم.