و اعلم يا أخي أن النار هي كالقاضي بين الجواهر المعدنيّة، المتحكّم
فيها كلّها و المفرّق بينها و بين ما كان من غير جنسها، فأشرفها هي التي لا تقدر
النار على أن تفرّق بين أجزائها، مثل الذهب و الياقوت، و ذلك لشدّة اتحاد أجزائها
بعضها ببعض، فإنه ليس بين خلل أجزائها رطوبة. و أما احتراق بعض الجواهر المعدنية،
و أكل النار لها، و سرعة اشتعالها فيها، كالكبريت و الزّرنيخ و القير[1] و النّفط و ما شاكلها من المعدنيات،
فهي من الأجزاء الهوائية الدّهنية المتعلقة بالأجزاء الترابية، غير متّحدة بها، و
الأجزاء المائية قليلة معها، و هي غير نضجة أيضا و لا متحدة بها، فإذا أصابتها
حرارة النار ذابت بسرعة، و تحلّلت و صارت دخانا و بخارا، و فارقت الأجزاء
الترابيّة، و ارتفعت في الهواء، و اختلطت به، و تفرّقت بين أجزاء الهواء. و أما
إذا قيل: ما العلة في أن الذهب يذوب و لا يحترق، و الياقوت لا يذوب و لا يحترق،
فنقول:
إن علة ذوبان الذهب هي من الرطوبة الدّهنيّة المتحدة بالأجزاء
الترابيّة، فإذا أصابتها حرارة النار ذابت و لانت الأجزاء الأرضية التي معها، و
أما ما لم يحترق فمن أجل الأجزاء المائية المتّحدة بالأجزاء الترابية و الهوائية،
فإنها تقابل النار و تدفع عن جسدها الترابي و هج النار ببردها و رطوبتها، فإذا
خرجت من النار جمدت تلك الأجزاء الهوائية الدّهنيّة، و غلظت الأجزاء المائية و
انعقدت، و صارت الأجزاء الأرضيّة كما كانت؛ و على هذا القياس سائر الأجسام
الترابية.
و أما الياقوت فلأنه أجزاء مائية غلظت وصفت بطول الوقوف بين الصخور،
و أنضجت بدوام طبخ حرارة المعدن لها، و اتحدت أجزاؤها و يبست، فصارت لا تذوب
بالنار، لأنه ليس فيها رطوبة دهنيّة. و أما علّة صفائه فمن