اعلم يا أخي أن تلك الرّطوبات المختنقة في باطن الأرض و البخارات
المحتبسة هناك إذا احتوت عليها حرارة المعدن تحلّلت و لطفت و خفّت و تضاعدت علوا
إلى سقوف تلك الأهوية و المغارات و مكثت هناك زمانا.
و إذا برد باطن الأرض في الصيف جمدت و غلظت و تقاطرت راجعة إلى أسفل
تلك الأهوية و المغارات، و اختلطت بتربة تلك البقاع و طينها، و مكثت هناك زمانا، و
حرارة المعدن دائما في نضجها و طبخها، و هي تصفو بطول وقوفها و تزداد ثقلا و غلظا،
و تصير تلك الرّطوبات بما يخالطها من الأجزاء الترابية و ما يأخذ من ثقلها و غلظها
و إنضاج الحرارة و طبخها إياها زئبقا رجراجا، و تصير تلك الاجزاء الهوائية
الدهنية، و ما يتعلّق بها من الأجزاء الترابية بطبخ الحرارة لها بطول الزمان،
كبريتا محترقا.
فإذا اختلطت أجزاء الكبريت و الزّئبق مرة ثانية، تمازجت و اختلطت و
اتحدت، و الحرارة دائمة في نضجها و طبخها فتنعقد عند ذلك ضروب الجواهر المعدنيّة
المختلفة، و ذلك أنه إذا كان الزّئبق صافيا و الكبريت نقيّا، و اختلطت أجزاؤهما، و
كانت مقاديرهما على النسبة الأفضل، و اتحدت و امتصت الكبريتية رطوبة الزّئبق، و
نشّفت نداوته، و كانت حرارة المعدن على الاعتدال في طبخها و نضجها، و لم يعرض لها
عارض من البرد و اليبس قبل إنضاجها، انعقد من ذلك على طول الزمان الذّهب الإبريز؛
و إن عرض لها البرد قبل النضج، انعقدت و صارت فضّة بيضاء؛ و إن عرض لها اليبس من
فرط الحرارة و زيادة الأجزاء الأرضية، انعقدت فصارت نحاسا أحمر يابسا؛ و إن عرض
لها البرد قبل أن تتّحد أجزاء الكبريت و الزّئبق قبل النضج، انعقد منها رصاص
قلعيّ[1]؛ و إن عرض
لها