مع الآخرة، كمثل مشرقكم و مغربكم، كلما
أقبلتم إلى المغرب ازددتم من المشرق بعدا، و كلما أقبلتم إلى المشرق ازددتم من
المغرب بعدا. و قيل في بعض كتب بني إسرائيل: رغّبناكم في الآخرة فلم ترغبوا، و
زهّدناكم في الدنيا فلم تزهدوا، و خوّفناكم من النّار فلم تخافوا، و شوّقناكم إلى
الجنة فلم تشتاقوا، و وبّخناكم فلم تبكوا. بشّر القائلين بأن اللّه سيفا لا ينام،
و هو نار جهنم. و يقول اللّه تعالى: يا ابن آدم خيري إليك نازل، و شرّك إليّ صاعد،
أتحبّب إليك بالغنى، و أنت تتبغّض إليّ بالمعاصي، لا يزال يأتيني كل يوم ملك كريم
بقبيح أفعالك. يا ابن آدم، أما تراقبني، أما تعلم أنك بعيني؟
يا ابن آدم، اذكرني عند خلواتك، و عند حضور الشهوات الحرام، و اسألني
أن أنزعها من قلبك، و أعصمك عن معصيتي، و أبغّضها إليك، و أيسّر لك طاعتي و
أحبّبها إليك، و أزيّنها في عينيك. يا ابن آدم، إنما أمرتك و نهيتك لتستعين بي و تعتصم
بحبلي، لئلا تستغني و تتولّى عني، فأعرض عنك، و أنا الغنيّ عنك و أنت الفقير إليّ؛
إنما خلقتك في الدنيا و سخّرتها لك لتستعدّ للقائي و تتزوّد منها للقدوم علي، لئلا
تعرض عني و تخلد إلى الأرض. و اعلم يا ابن آدم بأن الدار الآخرة خير لك من
الدّنيا، فلا تختر غير ما اخترت لك، و لا تكره لقائي، فإنه من كره لقائي كرهت
لقاءه، و من أحبّ لقائي أحببت لقاءه.
فصل في عظات مختلفة
تأمل يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، ما ترى من الأمور
الدّنيويّة، و اعتبر بما تشاهد فيها من تصاريفها بأهلها حالا بعد حال، و تفكّر
فيما ذكرنا في هذه الرسالة من هذه الحكايات عن أنبياء اللّه و أوليائه و عباده
الصالحين، و ما وصفنا من أخلاقهم الحسنة و سيرتهم العادلة و أفعالهم الجميلة،
فاجتهد أن