و الفاسقين مماثل لوعيد الطبيب المشفق
الحكيم لولده الجاهل العليل، كما بيّنّا في رسالة الآلام و اللذات. و قد ذكر اللّه
وعده للمؤمنين و وعيده للكافرين و المنافقين في القرآن في نحو من ألف آية مثل قوله
تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» الآية. و إنما جعل اللّه، جلّ
ثناؤه، ثواب المؤمنين الجنان و نعيم الآخرة، لأن الإيمان خصلة تجمع فضائل كثيرة
ملكيّة، و شرائط كثيرة عقلية، فللمؤمنين علامات يعرفون بها و يتميّزون عن الكافرين
و المنافقين. و قد بيّنّا طرفا من هذا العلم في رسالة الإيمان و خصال المؤمنين، و
لكن نحتاج أن نذكر في هذه الرسالة طرفا منها ليكون تذكارا و موعظة للغافلين، كما
أمر اللّه تعالى بقوله: «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى
تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ».
فصل
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، أن خواصّ عباده المؤمنين
العارفين المستبصرين يعاملون اللّه، جلّ ثناؤه، بالصدق و اليقين، و يحاسبون أنفسهم
في ساعات الليل و النهار فيما يعملون، كأنهم يشاهدون اللّه و يرونه، فيجدون ثواب
أعمالهم ساعة ساعة لا يتأخر عنهم لحظة واحدة، و هي البشرى في الحياة الدنيا، قبل
بلوغهم إلى الآخرة، و يرون جزاء سيّئاتهم أيضا يعقب أفعالهم، لا يخفى عليهم إلّا
قليل، و إليهم أشار بقوله، جلّ ثناؤه: «إِنَّ الَّذِينَ
اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا، فَإِذا هُمْ
مُبْصِرُونَ» و بقوله تعالى: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ
لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» و قال:
«إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ». و
آيات كثيرة ذكرها بمدحهم و حسن الثناء عليهم، و هم أعرف الناس بالله و أحسنهم
معاملة معه.
و ذكروا أن واحدا منهم اجتاز يوما في بعض سياحته براهب في صومعة له
على رأس تلّ، فوقف بإزائه، فناداه: يا راهب! فأخرج رأسه إليه من