و اعلم يا أخي بأنك، إذا تأمّلت و نظرت إلى كل صنف من هذه الأصناف
الثمانية، و اعتبرت أحوالهم و ما هم عليه و متعلّقون به، من حفظ هذه الأمور الثمانية،
و حرصهم على مراعاتها بشرائطها كما وصفنا، ثم نظرت بعين قلبك و نور بصيرتك و صفاء
جوهرك إلى جملتهم، و تخيّلتها في وهمك، و فكّرت، رأيت الناموس مملكة روحانية، و
رأيت أتباع صاحب الناموس و أنصاره يسعون فيه و يعملون له ما يشاء من محاريب و
تماثيل؛ و رأيت واضع الناموس قد استوى على عرشه نافذا فيهم أمره و نهيه، و هم
حاملون عرشه يسبحون بحمد ربهم، و يؤمنون به، و يستغفرون لمن في الأرض، و هم من
بعدهم من أتباعهم، لأنهم كالسماء لمن بعدهم، و من بعدهم كالأرض لهم، و لمن قبلهم
من أسلافهم.
و اعلم يا أخي بأن كل طائفة من هذه الأصناف الثمانية تحتاج، في حفظها
ركنا من أركان الناموس، إلى شرائط معلومة، و خصال محمودة، و أخلاق جميلة نحتاج ان
نشرحها و نصفها: أما التي يحتاج إليها القراء و الحفظة من الأخلاق الجميلة و
الخصال المحمودة و الشرائط المعلومة، فأولها فصاحة الألفاظ، و تقويم اللسان، و طيب
النغمة، و جودة العبارة، و سرعة الحفظ، و جودة الفهم، و دوام الدرس و النشاط في
القراءة، و التواضع لمن يتعلّم منه، و التعظيم له، و معرفة حقّه و حرمته، و الرّفق
بمن يعلّمه، و الشفقة عليه، و قلّة الضجر من إبطاء فهمه و حفظه، و ترك ضيق الصدر
من تلقينه، و قلّة الطّمع في أخذ العوض منه، و قلّة المنّة عليه بما يعلمه.
و أما التي يحتاج إليها من هذه الخصال و الأخلاق أصحاب الأخبار و
حملة الأحاديث، فأولها جودة الاستماع، و استيفاء الكلام، و ضبط الألفاظ على رسمها،
و تقييدها بالكتابة، و التحرّز و التحرّج و الحذر من الزيادة فيها