المنجية لها من الهلكة، المفصّلة بعضها من
بعض، كما بيّنّا في رسالة الدعوة إلى اللّه سبحانه و تعالى.
فصل في مراتب الأنفس
اعلم يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن الباري، جلّ ثناؤه،
لما أبدع النفوس و اخترعها و أبرز المستكنّ و المستجنّ من الكائنات، رتّبها و
نظمها كمراتب الأعداد المفردات، كما ذكر تعالى بقوله حكاية عن الملائكة قولهم: «وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ، وَ إِنَّا
لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ».
و اعلم يا أخي بأن أعداد النفوس كثيرة لا يحصيها إلّا اللّه جلّ
ثناؤه، كما قال: «وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ» و لكن نحتاج أن نذكر طرفا من مراتبها و مقاماتها الجنسية، إذ كانت
الأنواع و الأشخاص لا يمكن تعديدها و لا يعلمها إلا هو.
و اعلم يا أخي بأن مراتب النفوس ثلاثة أنواع، فمنها مرتبة الأنفس
الإنسانيّة، و منها ما هي فوقها، و منها ما هي دونها؛ فالتي هي دونها سبع مراتب، و
التي فوقها سبع أيضا، و جملتها خمس عشرة مرتبة. و المعلوم من هذه المراتب التي
ذكرناها عند العلماء، و يمكن لكل عاقل أن يعرفها و يحسّ بها، خمس، منها اثنتان فوق
رتبة الإنسانية و هي رتبة الملكيّة و القدسيّة، و رتبة الملكيّة هي رتبة الحكميّة،
و رتبة القدسيّة هي رتبة النبوّة و الناموسية، و اثنتان دونها و هي مرتبة النفس
النباتيّة و الحيوانية، و يعلم صحّة ما قلنا و حقيقة ما وصفنا، الناظرون في علم
النفس من الحكماء و الفلاسفة و كثير من الأطباء.
و أما الرتبتان اللتان فوق رتبة الإنسانيّة فهي مرتبة الحكمة و فوقها
الناموسيّة؛ و أما مرتبة الإنسانية فهي التي ذكرها اللّه تعالى بقوله: «لَقَدْ خَلَقْنَا