و العنف بالرّفق، و النّزق بالصبر، و الخرق
بالأناة، إذ كلّ مرض يعالج بضدّه. و من التراب تكون قساوته و بخله و فظاظته و شحّه
و يأسه و قنوطه و عزمه و إصراره؛ و من الماء يكون لينه و سهولته و استرساله و
معروفه و تكرّمه و سماحته و قوّته و قربه و قبوله و رجاؤه و استبشاره. فإذا خاف ذو
اللّب أن يغلب عليه خلق من أخلاقه الترابيّة، قابله بضدّه من الأخلاق المائية، و
ألزمه إيّاه ليعدّله و يقوّمه، فيقابل القسوة باللين، و البخل بالعطاء، و الفظاظة
بالبشر، و الشّحّ بالكرم، و اليأس بالرجاء، و القنوط بالاستبشار، و العزم بالقبول،
و الإصرار بالعدل.» و اعلم يا أخي بأن لكل خلق من الأخلاق أخوات مشاكلات، و لهن
اضداد مخالفات، و لهن كلّهن أفعال متباينات متضادّات تحتاج إلى شرح لتبين و تعرف،
لأن هذا الباب من العلوم الشريفة و المعارف اللطيفة، إذ كان من هذا الفنّ تعرف
أخلاق الكرام من بني آدم، و أخلاق الملائكة الذين هم سكّان الجنان، كما ذكر اللّه
تعالى فقال: «كِراماً كاتِبِينَ» و «كِرامٍ بَرَرَةٍ» و من هذا الباب تعرف أيضا
أخلاق الشياطين الذين هم أهل النّيران كما ذكر اللّه تعالى بقوله: «كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها.
و قالوا: لا مَرْحَباً بِهِمْ، إِنَّهُمْ
صالُوا النَّارِ»! و إذ قد تبيّن بما ذكرنا طرف من الأسباب المؤدية إلى اختلاف أخلاق
الإنسان من جهة مزاج أخلاط جسده، فنريد أيضا أن نذكر طرفا من الأسباب التي تكون من
جهة اختلاف تربة البلاد، و تغييرات أهويتها المؤدّية إلى اختلاف الأخلاق.
فصل في تأثير طبيعة البلدان في الأخلاق
و اعلم يا أخي بأن ترب البلاد و المدن و القرى تختلف، و أهويتها
تتغيّر من جهات عدّة، فمنها كونها في ناحية الجنوب، أو الشّمال، أو الشرق،