و تأثيراتها، و من أجل هذا قالت الحكماء ان
الثواني من الأمور تحكي أوائلها، كما يحكي الصبيان في لعبهم صناعة الآباء و
الامّهات و الأستاذين.
و اعلم يا أخي بأنه لا بدّ لكلّ صانع من البشر من تحريك عضو من
أعضائه في صناعته، أو عدة أعضاء، كاليد و الرجل و الظهر و الكتف و الرّكبة؛ و
بالجملة ما من عضو في الجسد إلا و للنفس بذلك العضو فعل أو عدة أفعال، خلاف ما
يكون بعضو آخر، فإن أعضاء الجسد هي آلات للنفس، و أدوات لها، و قد بينّا طرفا من
ذلك في رسالة تركيب الجسد، و في رسالة الحاسّ المحسوس، و في رسالة العقل و
المعقول، و في رسالة الإنسان عالم صغير.
فصل في أن موضوع الصناع نوعان
و اعلم يا أخي بأنه لا بدّ في كل صنعة من موضوع يعمل الصانع منه و
فيه صنعته، فالموضوع في صناعة البشريين نوعان: روحانيّ و جسمانيّ. فالروحاني هو
الموضوع في الصّناعة العلميّة، كما بيّنا في رسالة المنطق، و الجسمانيّ هو الموضوع
في الصّناعة العلمية، و هو نوعان: بسيطة و مركّبة، فالبسيطة هي النار و الهواء و
الماء و الأرض، و المركبة ثلاثة أنواع، و هي الأجسام المعدنية، و الأجسام
النباتية، و الأجسام الحيوانية.
فمن الصنائع ما هي الموضوع فيها الماء حسب، كصناعة الملّاحين و
السّقّائين و الروّائين[1] و
الشرّابين و السبّاحين و من شاكلهم؛ و منها ما هي الموضوع فيها التّراب حسب،
كصناعة حفّار الآبار و الانهار و القنيّ و القبور و المعادن، و كلّ من ينقل
التّراب و يقلع الحجارة؛ و منها ما هي الموضوع فيها النّار حسب، كصناعة النفّاطين[2] و الوقّادين و المشعلين؛