و نصرة الأخيار؛ و هذه السياسة يختصّ بها
خلفاء الأنبياء، صلوات اللّه عليهم، و الأئمّة المهديّون الذين قضوا بالحقّ، و به
كانوا يعدلون.
و أما السياسة العاميّة التي هي الرئاسة على الجماعات، كرئاسة
الأمراء على البلدان و المدن، و رئاسة الدّهاقين على أهل القرى، و رئاسة قادة
الجيوش على العساكر، و ما شاكلها؛ فهي معرفة طبقات المرءوسين و حالاتهم و أنسابهم
و صنائعهم و مذاهبهم و أخلاقهم، و ترتيب مراتبهم، و مراعاة أمورهم، و تفقّد
أسبابهم، و تأليف شملهم، و التناصف بينهم، و جمع شتاتهم، و استخدامهم في ما يصلحون
له من الأمور، و استعمالهم في ما يشاكلهم من صنائعهم و أعمالهم اللّائقة بواحد
واحد منهم.
و أما السياسة الخاصيّة فهي معرفة كل إنسان كيفيّة تدبير منزله و أمر
معيشته، و مراعاة أمر خدمه و غلمانه و أولاده و مماليكه و أقربائه، و عشرته مع
جيرانه، و صحبته مع إخوانه، و قضاء حقوقهم، و تفقّد أسبابهم، و النظر في مصالحهم
من أمور دنياهم و آخرتهم.
و أما السياسة الذاتية فهي معرفة كل إنسان نفسه و أخلاقه، و تفقّد
أفعاله و أقاويله في حال شهواته و غضبه و رضاه، و النظر في جميع أموره.
و الخامس علم المعاد و هو معرفة ماهيّة النشأة الأخرى، و كيفيّة
انبعاث الأرواح من ظلمة الأجساد، و انتباه النفوس من طول الرّقاد، و حشرها يوم
المعاد، و قيامها على الصّراط المستقيم، و حشرها لحساب يوم الدين، و معرفة كيفيّة
جزاء المحسنين و عقاب المسيئين.
و قد عملنا في كل فصل من هذه العلوم التي تقدّم ذكرها رسالة، و ذكرنا
فيها طرفا من تلك المعاني، و أتممناها بالجامعة، ليكون تنبيها للغافلين، و إرشادا
للمريدين، و ترغيبا للطالبين، و مسلكا للمتعلمين. فكن به يا أخي سعيدا، و اعرض هذه
الرسالة على إخوانك و أصدقائك، و رغّبهم في العلم، و زهّدهم في الدنيا، و دلّهم
على طريق الآخرة، فإنك بذلك تنال الزّلفى من