اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن تأثيرات نغمات
الموسيقار في نفوس المستمعين مختلفة الأنواع، و لذّة النفوس منها و سرورها بها
متفنّنة متباينة، كلّ ذلك بحسب مراتبها في المعارف، و بحسب معشوقاتها المألوفة من
المحاسن، فكلّ نفس إذا سمعت من الأوصاف ما يشاكل معشوقاتها، و من النغمات ما يلائم
محبوبها، فرحت و سرّت و التذّت، بحسب ما تصوّرت من رسوم معشوقها، و اعتقدت في
محبوبها، حتى ربما وقع النكير من الآخرين، إذا لم يعرفوا مذهبه، و لا ما قصد نحوه.
و المثال في ذلك ما يحكى أن رجلا من أهل الوجد من المتصوّفة سمع قارئا يقرأ «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى
رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً» فاستعادها من القارئ مرارا،
و جعل يقول: كم أقول لها ارجعي، فليس ترجع! و تواجد[1]
و زعق و صعق صعقة فخرجت روحه. و سمع آخر رجلا يقرأ: فما جزاؤه ان كنتم كاذبين؟
قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو «جزاؤه»، فاستعادها و زعق و صعق،
فخرجت روحه. فقال أهل الوجد: انما حمل معنى قوله: «جزاؤه من وجد في رحله» ان
المحبوب هو جزاء الحبيب، لأنه هو الموجود في رحله، يعنون ان صورة المحبوب مصوّرة
في نفس الحبيب، و رسوم شكله منقوشة في قلبه، فذلك جزاؤه. أ لا ترى يا أخي كيف حمل
معنى القول على مذهبه و مقصده مع شهرة معنى الآية في الظاهر؟ و آخر سمع قول القائل
و هو يغني:
قال
الرسول: غدا تزو
ر،
فقلت: تدري ما تقول؟
فاستفزّه القول و اللحن، و تواجد و جعل يكرّره و يجعل مكان التاء
نونا، و يقول: غدا نزور، حتى غشي عليه من شدّة الفرح و اللذة و السرور. فلما
[1] -تواجد: اظهر من نفسه الوجد، أي المحبة و الحزن، و
هو عند الصوفيين المحبة الالهية: