الثالث بالحكمة، لما صفت و رأت ذلك، و هو
إدريس النّبيّ، 7، و إليه أشار بقوله تعالى:
«وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»؛ و كما سمعته نفس فيثاغورس
الحكيم لما صفت من درن الشّهوات الجسمانية، و لطفت بالأفكار الدائمة، و بالرّياضات
العدديّة و الهندسيّة و الموسيقيّة. فاجتهد يا أخي، أيّدك اللّه و إيانا بروح منه،
في تصفية نفسك و تخليصها من بحر الهيولى، و أسر الطبيعة، و عبوديّة الشّهوات
الجسمانية، و افعل كما فعلت الحكماء و وضعت في كتبها، فإن جوهر نفسك من جوهر
نفوسهم. و اعمل كما وصفنا في كتاب الأنبياء، :، و صفّ نفسك من الأخلاق
الرديئة و الآراء الفاسدة و الجهالات المتراكمة و الأفعال السّيّئة، فإن هذه
الخصال هي المانعة لها عن الصّعود إلى هناك بعد الموت، كما ذكر اللّه تعالى بقوله: «لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ، وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ،
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ[1]».
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، أن جوهر نفسك من
الأفلاك نزل يوم مسقط النّطفة كما بيّنّا في رسالة لنا، و إلى السماء يكون مصيرها
بعد الموت الذي هو مفارقة الجسد، كما ان من التراب يكون جسدك، و إلى التراب يكون
جسدك بعد الموت.
و اعلم يا أخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، بأن هذه الحياة الدّنيا
للنفوس المتجسدة إلى وقت المفارقة التي هي الموت مماثلة لمدة كون الجنين في الرحم
من يوم مسقط النّطفة إلى يوم الولادة.
و اعلم، يا أخي، ان الموت ليس شيئا سوى مفارقة النفس الجسد، كما ان
الولادة ليست شيئا سوى مفارقة الجنين الرحم. و قال المسيح، 7:
من لم يولد ولادتين لم يصعد إلى ملكوت السماء. و قال، جلّ ثناؤه، في
صفة أهل الجنّة: «لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى» و هو مفارقة النّفس