هنداما، و أصفى جوهرا، و حركاتها أحسن
نظاما، و مناسباتها أجود تأليفا.
فإذا علمت النفس الجزئيّة التي في عالم الكون و الفساد أحوال عالم
الأفلاك، و تيقّنت حقيقة ما وصفنا، تشوّقت عند ذلك إلى الصعود إلى هناك، و اللحوق
بأبناء جنسها من النفوس الناجية في الأزمان الماضية، من الأمم الخالية. فإن قال
قائل إن الفلك طبيعة خامسة لا يجوز ان يكون لأجسامه نغمات و أصوات، فليعلم هذا
القائل ان الفلك و إن كانت طبيعته خامسة، فليس بمخالف لهذه الأجسام في كل الصفات،
و ذلك ان منها ما هو مضيء مثل النار، و هي الكواكب، و منها ما هو مشفّ كالبلّور،
و هي الأفلاك، و منها ما هو صقيل كوجه المرآة، و هو جرم القمر؛ و منها ما هو يقبل
النور و الظلمة مثل الهواء، و هو فلك القمر و فلك عطارد. و بيان ذلك ان ظلّ الأرض
يبلغ مخروطه إلى فلك عطارد؛ و هذه كلها أوصاف للأجسام الطبيعية، و الأجسام الفلكية
تشاركها فيها. فقد تبيّن ان الفلك، و ان كانت طبيعته خامسة، فليس بمخالف للأجسام
الطبيعية في كل الصفات، بل في بعضها دون بعض، و ذلك انها ليست بحارّة و لا باردة و
لا رطبة بل يابسة صلبة أشدّ صلابة من الياقوت، و أصفى من الهواء، و أشفّ من
البلّور، و أصقل من وجه المرآة، و انها يماسّ بعضها بعضا، و تصطكّ و تحتكّ، و تطنّ
كما يطنّ الحديد و النحاس، و تكون نغماتها متناسبات مؤتلفات، و ألحانها موزونات،
كما بيّنّا مثالها في نغمات أوتار العيدان و مناسباتها.
فصل في أن لحركات الأفلاك نغمات كنغمات العيدان
اعلم يا اخي، أيدك اللّه و إيانا بروح منه، انه لو لم يكن لحركات
أشخاص الأفلاك أصوات و لا نغمات، لم يكن لأهلها فائدة من القوّة السامعة الموجودة
فيهم. فإن لم يكن لهم سمع فهم صمّ بكم عمي. و هذه حال الجمادات