وَ الْعَدْلِ مَنْزِلَةٌ رَحِيبَةٌ وَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ مُمَيَّزٌ بِالتَّقْسِيمِ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ
قَالَ ع إِنَّ اللَّهَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ثُمَّ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا وَ هُوَ أَيْضاً أَجَلُّ وَ أَعَزُّ وَ أَرْفَعُ وَ أَجْدَرُ وَ أَعْلَمُ مِنْ أَنْ يُرِيدَ أَمْراً فَيَكُونَ فِي اسْتِطَاعَةِ الْعِبَادِ غَيْرُهُ عَلَى مَعْنَى الْكُرْهِ وَ الْغَلَبَةِ بَلْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي خَلْقِهِ وَ نَفَذَ تَقْدِيرُهُ فِي بَرِيَّتِهِ وَ قَضَاهُ فِي عِبَادِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ كَيْفَ يَخْلُقُهُمْ وَ عَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ وَ إِلَى مَا هُمْ صَائِرُونَ وَ عَلِمَ مَنْ أَطَاعَهُ مِمَّنْ عَصَاهُ فَخَلَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِيُثِيبَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَ لَيْسَ يُعَاقِبُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى عِلْمِهِ وَ لَا قَضَائِهِ وَ لَا قَدَرِهِ بَلْ يُعَاقِبُ عَلَى الْمَعَاصِي وَ يُثِيبُ عَلَى الطَّاعَةِ
وَ قَالَ ع إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ تَخْيِيراً وَ نَهَى تَحْذِيراً لَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً وَ لَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ لَا يُعْصَى لَمَا عُصِيَ وَ لَكِنَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ وَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ وَ لَهُ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ خَيْراً وَ شَرّاً وَ حُلْواً وَ مُرّاً وَ قَدْ قَالَ عَزَّ وَ جَلَ أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ فَأَعْلَمَنَا أَنَّ خَلْقَنَا وَ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا بِقُدْرَتِهِ
و اعلم أن الاستطاعة قبل الفعل لأن الله أجل و أعظم و أعدل أن يأمر الزمن بالقيام أو الطفل بالصيام لأن ذلك تكليف ما لا يطاق و لا يأمر إلا و المأمور مستطيع لفعله و لا ينهى عز و جل عن شيء إلا و المنهي مستطيع لتركه و بذلك جاءت الرواية
عَنِ الصَّادِقِ ع مِنْهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ قَاعِداً وَ لَا مُتَحَرِّكاً إِلَّا وَ الِاسْتِطَاعَةُ مَعَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِنَّمَا وَقَعَ التَّكْلِيفُ مِنَ اللَّهِ بَعْدَ الِاسْتِطَاعَةِ وَ لَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُكَلَّفاً لِلْفِعْلِ إِلَّا مُسْتَطِيعاً
. مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُتَكَلِّمِ فِي تَفْضِيلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ سَبَقَهُمْ بِمُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ وَ قَتَلَ صَنَادِيدَ الْكُفْرِ وَ أَعْلَامَ الضَّلَالِ وَ هُوَ الَّذِي آخَى النَّبِيُّ ص بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ لَمَّا آخَى بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ رَضِيَهُ كُفْواً لِسَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ ع وَ أَنْزَلَهُ مِنْهُ مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ع وَ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِأَنْ يُوَالِيَ مَنْ وَالاهُ وَ يُعَادِيَ مَنْ عَادَاهُ وَ أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَ إِحْدَى مَنَازِلِهِ أَنْ لَا فَاضِلَ بَعْدَ مُوسَى أَفْضَلُ مِنْهُ وَ قَالَ اللَّهُمَّ ائْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ يَأْكُلُ مَعِي هَذَا الطَّائِرَ