وَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلَّا نَادَتْهُ حُفْرَتُهُ الَّتِي تُدْفَنُ فِيهَا أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ وَ الْوَحْدَةِ وَ الِانْفِرَادِ فَإِنْ كُنْتَ فِي حَيَاتِكَ لِلَّهِ مُطِيعاً كُنْتُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ رَحْمَةً وَ إِنْ كُنْتَ لِلَّهِ عَاصِياً فَأَنَا الْيَوْمَ عَلَيْكَ نَقِمَةٌ أَنَا الَّذِي مَنْ دَخَلَنِي مُطِيعاً خَرَجَ مَسْرُوراً وَ مَنْ دَخَلَنِي عَاصِياً خَرَجَ مَثْبُوراً.[1]
وَ قَالَ آخَرُ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ نَادَاهُ جِيرَانُهُ مِنَ الْمَوْتَى أَيُّهَا الْمُخَلِّفُ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ إِخْوَانِهِ وَ أَصْدِقَائِهِ وَ جِيرَانِهِ أَ مَا كَانَ لَكَ فِينَا مُعْتَبَرٌ أَ مَا كَانَ لَكَ فِي تَقَدُّمِنَا إِيَّاكَ فِكْرَةٌ أَ مَا رَأَيْتَ انْقِطَاعَ أَعْمَالِنَا عَنَّا وَ أَنْتَ فِي الْمُهْلَةِ فَهَلَّا اسْتَدْرَكْتَ مَا فَاتَ إِخْوَانَكَ وَ تُنَادِيهِ بِقَاعُ الْأَرْضِ أَيُّهَا الْمُغْتَرُّ بِظَاهِرِ الدُّنْيَا هَلَّا اعْتَبَرْتَ بِمَنْ غُيِّبَ مِنْ أَهْلِكَ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ مِمَّنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيَا قَبْلَكَ ثُمَّ سَبَقَ بِهِ أَجَلُهُ إِلَى الْقُبُورِ وَ أَنْتَ تَرَاهُ مَحْمُولًا تَهَادَاهُ[2] أَحِبَّتُهُ إِلَى الْمَنْزِلِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَ قَالَ آخَرُ بَلَغَنِي أَنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ احْتَوَشَتْهُ أَعْمَالُهُ ثُمَّ أَنْطَقَهَا اللَّهُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الْعَبْدُ الْمُنْفَرِدُ فِي حُفْرَتِهِ انْقَطَعَ عَنْكَ الْأَخِلَّاءُ وَ الْأَهْلُونَ فَلَا أَنِيسَ لَكَ الْيَوْمَ غَيْرُنَا.
وَ قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْمُطِيعُ لِرَبِّهِ فِي الْقَبْرِ احْتَوَشَتْهُ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ مِثْلُ الصَّلَاةِ وَ الصِّيَامِ وَ الْحَجِّ وَ الصَّدَقَةِ قَالَ وَ يَجِيءُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَتَقُولُ الصَّلَاةُ إِلَيْكُمْ عَنْهُ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ أَطَالَ بِيَ الْقِيَامَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا فَيَأْتُونَهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ الصِّيَامُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ طَالَ مَا أَظْمَأَهُ لِلَّهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ فَيَأْتُونَهُ مِنْ قِبَلِ جَسَدِهِ فَيَقُولُ الْحَجُّ إِلَيْكُمْ عَنْهُ فَقَدْ أَتْعَبَ بَدَنَهُ وَ أَنْصَبَ نَفْسَهُ وَ حَجَّ لِلَّهِ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ فَيَأْتُونَهُ مِنْ قِبَلِ يَدَيْهِ فَيَقُولُ الصَّدَقَةُ كُفُّوا عَنْهُ خَلُّوا عَنْ صَاحِبِي فَكَمْ مِنْ صَدَقَةٍ خَرَجَتْ مِنْ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ حَتَّى وَقَعَتْ فِي يَدِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ فَلَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ قَالَ فَيُقَالُ لَهُ طِبْتَ هَنِيئاً طِبْتَ حَيّاً وَ مَيِّتاً قَالَ وَ يَأْتِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ فَتَفْرُشُ لَهُ فِرَاشاً مِنَ الْجَنَّةِ وَ دِثَاراً مِنَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ
[1] ثبره ثبرا من باب نصر: لعنه. طرده. اهلكه. و ثبر ثبورا: هلك.
[2] التهادى أن يهدى بعضهم إلى بعض و المراد سعيهم في إيصاله القبر.