كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ[1].
وَ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَلِكِ امْرَأَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ثُمَّ هَدَأَ[2] فَجَعَلْتُ لَا أَسْمَعُ لَهُ حَرَكَةً وَ لَا كَلَاماً فَقُلْتُ لِوَصِيفٍ انْظُرْ أَ هُوَ نَائِمٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ وَ قِيلَ لَهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ أُحَذِّرُكُمْ مَصْرَعِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْهُ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا ثَقُلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ دُعِيَ إِلَيْهِ طَبِيبٌ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الطَّبِيبُ قَالَ أَرَى الرَّجُلَ قَدْ سُقِيَ السَّمَّ فَلَا آمَنُ عَلَيْهِ الْمَوْتَ فَرَفَعَ عُمَرُ بَصَرَهُ وَ قَالَ لَا تَأْمَنُ الْمَوْتَ أَيْضاً عَلَى مَنْ لَمْ يُسْقَ السَّمَّ وَ لَمَّا قَرُبَ مَوْتُهُ قَالَ أَجْلِسُونِي فَأَجْلَسُوهُ فَقَالَ أَنَا الَّذِي أَمَرْتَنِي فَقَصَّرْتُ وَ نَهَيْتَنِي فَعَصَيْتُ.
وَ حُكِيَ عَنْ هَارُونَ الرَّشِيدِ أَنَّهُ انْتَقَى أَكْفَانَهُ[3] عِنْدَ الْمَوْتِ بِيَدِهِ وَ كَانَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَ يَقُولُ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ.
وَ فَرَشَ الْمَأْمُونُ رَمَاداً وَ اضْطَجَعَ عَلَيْهِ وَ كَانَ يَقُولُ يَا مَنْ لَا يَزُولُ مُلْكُهُ ارْحَمْ عَلَى مَنْ زَالَ مُلْكُهُ.
وَ كَانَ الْمُعْتَصِمُ يَقُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ عُمُرِي هَكَذَا قَصِيرٌ مَا فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ.
وَ كَانَ الْمُنْتَصِرُ يَضْطَرِبُ عَلَى فِرَاشِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقِيلَ لَهُ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ فَقَالَ لَيْسَ إِلَّا هَذَا لَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةُ.
وَ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي الْوَفَاةِ وَ قَدْ نَظَرَ إِلَى صَنَادِيقَ فِي بَيْتِهِ فِيهَا مَالُهُ مَنْ يَأْخُذُهَا بِمَا فِيهَا وَ لَيْتَنِي كُنْتُ أَبْرَأُ.[4]
[1] سورة الأنعام آية 94.
[2] هدأ هدءا و هدوءا من باب منع: سكن.
[3] الانتقاء: الاختيار. و نقاه تنقية و انقاه انقاء: اختاره: نظفه:
[4] البرء بضم الباء و فتحها: مصدر برء من المرض من أبواب علم و منع و شرف اي شفى و تخلص