نام کتاب : مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر) نویسنده : ورّام بن أبي فراس جلد : 1 صفحه : 261
مشارقها و مغاربها فلا تظنن أن ذرة من ملكوت السماوات و الأرض
تنفك عن حكمة و حكم و هي أحكم خلقا و أتقن صنعا و أجمع للعجائب من بدن الإنسان بل
لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السماوات و لذلك قال تعالى أَ أَنْتُمْ
أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها فارجع الآن في النطفة و تأمل حالها أولا
و ما صارت إليه ثانيا و تأمل لو اجتمع الإنس و الجن على أن يخلقوا للنطفة سمعا و
بصرا و عقلا و قدرة و علما و روحا و يخلقوا فيها عظاما أو عروقا أو عصبا أو جلدا
أو شعرا هل يقدرون على ذلك بل لو أرادوا أن يعرفوا كنه حقيقته و كيفية خلقته بعد
أن خلق الله تعالى ذلك لعجزوا عنه فالعجب منك لو نظرت إلى صورة على حائط تأنق[1] النقاش في
تصويرها حتى قرب ذلك من صورة الإنسان و قال الناظر إليها كأنه إنسان عظيم يعجبك من
صنعة النقاش و حذقه و خفة يده و تمام فطنته و عظم في قلبك محله مع أنك تعلم أن تلك
الصورة إنما تمت بالصبغ و القلم و الحائط و باليد و القدرة و العلم و الإرادة و
شيء من ذلك ليس من فعل النقاش و لا خلقه بل هو من خلق الله تعالى و إنما منتهى و
فعله الجمع بين الصبغ و الحائط على ترتيب مخصوص فيكثر تعجبك منه و تستعظمه و أنت
ترى النطفة القذرة كانت معدومة فخلقها خالقها في الأصلاب و الترائب ثم أخرجها منها
و شكلها فأحسن تشكيلها و قدرها فأحسن تقديرها و تصويرها و قسم أجزاءها المتشابهة
إلى أجزاء مختلفة فأحكم العظام في أرجائها[2]
و حسن أشكال أعضائها و زين ظاهرها و باطنها و رتب عروقها و أعصابها و جعلها مجرى
لغذائها ليكون ذلك سبب بقائها و جعلها سميعة بصيرة عالمة ناطقة و خلق لها الظهر
أساسا لبدنها و البطن لآلات غذائها و الرأس جامعا لحواسها ففتح العينين و ركب
طبقاتها و أحسن شكلها و لونها و هيأتها ثم حماها بالأجفان لتسترها و تحفظها و
تصقلها و تدفع الأقذاء عنها ثم أظهر في مقدار عدسة منها صورة السماوات مع اتساع
أكنافها و تباعد أقطارها فهو ينظر إليها ثم شق أذينة و أودعهما ماء مرا يحفظ سمعها
و يدفع الهوام عنها و حوطها بصدفة الأذن لتجمع الصوت فترده إلى صماخها و لتحس
بدبيب الهوام إليها و جعل فيها تحريفات و اعوجاجات لتكثر حركات ما يدب فيها و يطول