نام کتاب : مجموعة ورّام (تنبيه الخواطر و نزهة النواظر) نویسنده : ورّام بن أبي فراس جلد : 1 صفحه : 259
و الفم و سائر المنافذ ثم مد اليد و الرجل و قسم رءوسهما
بالأصابع و قسم الأصابع بالأنامل ثم كيف ركب الأعضاء الباطنة من القلب و المعدة و
الكبد و الطحال و الرحم و المثانة و الأمعاء و كل واحد على شكل مخصوص و مقدار
مخصوص ثم كيف قسم كل عضو من هذه الأعضاء بأقسام أخر فركب العين من سبع طبقات لكل
طبقة وصف مخصوص و هيئة مخصوصة لو فقدت طبقة منها أو زالت صفة من صفاتها لعطلت
العين عن الإبصار فلو ذهبنا نصف ما في آحاد هذه الأعضاء من العجائب و الآيات
لانقضى فيه الأعمار فانظر الآن إلى العظام و هي أجسام قوية صلبة كيف خلقها من نطفة
سخيفة رقيقة ثم جعلها قواما للبدن و عمادا له ثم قدرها بمقادير مختلفة بأشكال
مختلفة فمنه صغير و كبير و طويل و مستدير و مجوف و مصمت و عريض و دقيق فلما كان
الإنسان محتاجا إلى الحركة بجملة بدنه و ببعض أعضائه للتردد في حاجاته لم يجعله
عظما واحدا بل عظاما كثيرة بينها مفاصل حتى يتيسر بها الحركة و قدر شكل كل واحدة
منها على وفق الحركة المطلوبة بها ثم وصل مفاصلها و ربط بعضها ببعض بأوتار أنبتها
من أحد طرفي العظم و ألصق بالطرف الآخر كالرباط ثم خلق في أحد طرفي العظم زوائد
خارجة منه و في الآخر حفرا غائصة فيه موافقة لشكل الزوائد لتدخل فيها و تنطبق
عليها فصار العبد إن أراد تحريك جزء من بدنه لم يمتنع عليه و لو لا المفاصل لتعذر
عليه ذلك ثم انظر كيف خلق عظام الرأس و كيف جعلها و ركبها و قدرها من خمسة و خمسين
عظما مختلفة الأشكال و الصور فألف بعضها إلى بعض بحيث استوى به كرة الرأس كما تراه
فمنها ستة تختص بالقحف و أربعة عشر لللحي[1]
الأعلى و اثنان لللحي الأسفل و البقية و هي الأسنان بعضها عريضة تصلح للطحن و
بعضها حادة تصلح للقطع و هي الأنياب و الأضراس و الثنايا ثم جعل الرقبة مركبا
للرأس و ركبها من سبع خرزات[2] مجوفات
مستديرات فيها تحريفات و زيادات و نقصانات لينطبق بعضها على بعض و يطول ذكر وجه
الحكمة فيها ثم ركب الرقبة على الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز من ثلاثة
[1] اللحى وزان الفلس: عظم الحنك الذي عليه
الأسنان.