وجود في نظر السالك، فهو يواجههم بإظهار كمالات المحبوب عليهم، و ذكر
مآثره الجليلة لديهم؛ و أمّا إذا آل أمره- بملاحظة الآثار و ملازمة الأذكار- إلى
ارتفاع الحجب و الأستار، و اضمحلال جميع الأغيار، لم يبق في نظره سوى المعبود
بالحقّ، و الجمال المطلق، و انتهى إلى مقام الجمع، و صار فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[1].
فبالضرورة لا
يصير توجيه الخطاب إلّا إليه، و لا يمكن ذكر شيء إلّا لديه؛ فينعطف عنان لسانه
نحو عزّ جنابه، و يصير كلامه منحصرا في خطابه. و فوق هذا المقام مقام لا يفي
بتقريره الكلام، و لا تقدر على تحريره الأقلام، بل لا يزيده الكشف إلّا سترا و
خفاء، و لا يكسبه البيان إلّا غموضا و اعتلاء.
فهذه أربعة عشر
وجها في نكات هذا الالتفات، لم تنتظم إلى هذا الزمان في سلك[3]. و الله الهادي.
اللّهمّ! هب
لنا نفحة من نفحات قدسك، تكشف عن بصائرنا الغواشي الجسمانيّة، و تصرف عن ضمائرنا
النواشئ الهيولانيّة؛ و اجعل أعين قلوبنا وقفا على ملاحظة جلالك، طلقا في مطالعة
أنوار جمالك، حتّى لا نطمح[4]
إلى من سواك بنظر، و لا نحسّ[5]
منه بعين و لا أثر؛ و اجمع بيننا و بين إخوان الصفا في دار المقامة؛ و ألبسنا و
إيّاهم حلل الكرامة في يوم القيامة؛ إنّك جواد كريم، رؤوف رحيم.
[1]. البقرة( 2): 115. و في المصحف الشريف:( فأينما
...).