منزلنا في الصباغيّة في
نهر المدك فرحوا أهلي و ذلك انّ اخي تقدمني بالمجيء من بغداد و لمّا رأته والدتي
خطر ببالها الخواطر من جانبي و انّه ما تأخر الا لقضية حادثته فبقيت في الجزائر مع
اخي في الصباغيّة ثلاثة اشهر و شرعت في شرح تهذيب الحديث هناك، ثم انتقلنا الى نهر
الصالح فرأينا اهلها اخيار صلحاء و علماؤها من اهل الإيمان منزّهين عن النفاق و
الحسد فأحسن كلّهم الينا احسانا كاملا فبقينا هناك ستة اشهر او اكثر و بنوا لنا مسجدا
جامعا كان من الأوّل يصلي فيه شيخنا الأجل خاتمة المجتهدين الشيخ عبد النبي
الجزائري و كنّا نصلي فيه جماعة لا جمعة.
ثمّ ان السلطان
محمد بعث عساكره الى سلطان البصرة الى انّه يخرب الجزائر و البصرة و ينقل اهلها
الى مكان اسمه سحاب قريب الجويزة فانتقلنا كلّنا اليها و وضع عسكره في قلعة القرنة
و جلس هو مع اهل الجزائر في سحاب و كان يجيء الى عندنا، فاذا جاء وضعوا له في
الصحراء عباءة و اذا اتيت اليه قام و أجلسني معه على تلك العباءة و كان يظهر
المحبة و الود لي كثيرا، فلما قرب الينا عساكر السلطان محمد و حصروا القلعة كانوا
يرمونها كل يوم ألف مدفع او اقل و كانت الأرض ترجف من تحتنا هذا و انا مشغول في
تأليف شرح التهذيب فبعثت العيال و اكثر الكتب مع اخي الى الحويزة و بقيت انا و
كتبا لتاليف.
ثماني طلبت
الأذنمن السلطان في السفر الى الحويزة فلم يأذن لي و قال: اذا خرجت انت من بيننا
ما يبقى معي احد فبقينا في الحصار اربعة اشهر تقريبا فاتى شهر اللّه رمضان فسافرت
الى الحويزة، و كنت انتظر الأخبار فلمّا كان ليلة الحادية عشر من ذلك الشهر و هي
ليلة الجمعة خاف سلطان البصرة من خيانة عسكره و فرّ هاربا الى الدورق، فبلغ الخبر
اهل الجزائر طلوع فجر يوم الجمعة ففرّت النساء و الرجال و الأطفال و الشيوخ و
العميان و كلّ من كان في ذلك الأقليم طالبين الحويزة و بينهم و بينها مسيرة ثلاثة
ايام لكنها مفازة لا فيها ماء و لا كلاء بل ارض يابسة فمات من اهل الجزائر في تلك
المفازة عطشا و جوعا و خوفا ما لا يحصى عددهم الا اللّه تعالى و كذلك العسكر الذي
في القرنة قتل منه ايضا خلق كثير.
و الحاصل انّ
من شاهد تلك الواقعة عرف احوال يوم القيامة و امّا سلطان الحويزة قدس اللّه روحه و
هو السيد علي خان فأرسل عساكر لأستقبال اهل الجزائر و ارسل لهم ماء و طعاما جزاه
اللّه عنهم كلّ خير، ثمّ اننا اقمنا عنده في الحويزة شهرين تقريبا و سافرنا الى
اصفهان لكن من طريق شوشتر فلمّا وصلنا شوشتر رأينا اهلها من اهل الصلاح و الفقر و
يودّون العلماء، و كان فيهم رجل سيّد من اكابر السادة اسمه ميرزا عبد اللّه فاخذنا
الى منزله و عيّن لنا كلما نحتاج اليه و الآن هو قد مضى الى رحمة اللّه لكنّه اعقب
ولدين السيّد شاه مير و السيد محمد مؤمن و فيهما من