و قد اكثر من التصانيف
العالية في انواع العلوم و قد كان في الحلم و العفو عمّن اساء اليه بمكان لا يداني
فيه، و اما شجاعته و قوة قلبه فقد كانت تضرب بها الأمثال، و قد اتصلنا بملازمة
مجلسه العالي اوقاتا كثيرة و ما كان عيب مجلسه الا ذكر فنون العلوم و الآداب فيه
كما قال الشاعر:
و لا عيب فيهم غير ان سيوفهم
بهنّ فلول من قراع الكتائب
و قد ذكرنا
فيما تقدم مكاتبة أرسلها الينا أكثر فيها الملاطفة و اظهار المحبة، و في وقت تأليف
هذا الكتاب صار الوالي ولده المبارك الذي اقتفى أثر ابيه في مكارم الأخلاق السيد
حيدر خان، و بالجملة فالولاة اذا جعلوا هذا النور قانونا لأعمالهم و أحكامهم فازوا
بالنّشأتين و وفقوا للدولتين.
(نور في
احوال العالم و المتعلم و كيفية آدابهما)
و هذا النور
يشتمل على فوائد: الفائدة الأولى آدابهما في أنفسها و هي على أمور:
الأول في نية
التعليم و التعلم فانك قد عرفت انّ مدار قبول الأعمال على النّية و بسببها يكون
العمل تارة خزفة لا قيمة لها و تارة وبال على صاحبه مكتوب في ديوان السّيئات و ان
كان في صورة الواجبات.
روي عنه 6 انه قال ان اول اناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد
فأتي به الى فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال
كذبت و لكنك قاتلت ليقال جريّ فقد قيل ذلك ثم امر به فسحب على وجهه حتى ألقي في
النار، و رجل تعلم العلم و علّمه و قرأ فيك القرآن قال كذبت و لكنّات تعلّمت ليقال
انّك قارئ فقد قيل ثمّ امر به فسحب على وجهه حتى القي في النار.
و هذه الدرجة
هي درجة الأخلاص عظيمة المقدار كثيرة الأخطار، و ذلك انّ الأنسان لو فكر في نفسه
لعلم انّ الباعث الأكثر سيّما في الأبتداء لطالب العلم طلب الجاه و المال او
الشهرة و انتشار الصيت و لذة الأستيلاء و استثارة الحمد و الثناء و ربما لبس
الشيطان عليه مع ذلك و يقول لهم غرضكم نشر دين اللّه.
و هذه المقاصد
تظهر عند ظهور واحد من الأقران اكثر علما منه و أحسن حالا بحيث يصرف الناس عنه
فلينظر حينئذ فان كان حاله مع الموقّر له و المعتقد لفضله احسن و هو له اكثر
احتراما و تلقى به أشدّ استبشارا ممّن يميل الى غيره مع كون ذلك الغير مستحقا
للموالاة فهو مغرور عن دينه مخدوع و هو لا يدري، و ربّما انتهى الأمر بأهل العلم
الى ان يتعايروا تعاير النساء فيشقّ على احدهم ان يختلف بعض تلامذته الى غيره و ان
كان يعلم انه ينتفع بغيره و يستفيد في دينه، و لو كان الباعث على العلم هو الأخلاص
لكان اذ اظهره غير شريكا او مستبدا او معنا على التّعليم