نور في الصبر و
أقسامه و محاله و فوائده و ما يتعلق به من المناسبات
اعلم وفقك
اللّه تعالى ان القرآن و الحديث قد اكثرا مدحه حتى انه سبحانه وصف الصابرين بأوصاف
و ذكر الصبر في القرآن في نيف و سبعين موضعا و أضاف اكثر الخيرات و الدرجات الى
الصبر و جعلها ثمرة له فقال عز و جل وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنا لما صبروا و قال وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى
عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا و قال إِنَّما يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الى غير ذلك من الآيات، و قال الصادق
7 الصبر من الأيمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا ذهب الرأس ذهب الجسد
كذلك اذا ذهب الصبر ذهب الأيمان و قال 7 اذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة
عن يمينه و الزكوة عن يساره، و البر مظل عليه، و يتنحى الصبر ناحيه، فإذا دخل عليه
الملكان اللذان يليان مسائلته قال الصبر للصلوة و الزكوة و البر دونكم صاحبكم فإن
عجزتم عنه فانا دونه و روى عنه 6 انه قال الصبر ثلاثه: صبر
عند المصيبه، و صبر على الطاعه، و صبر عن المعصيه فمن صبر عند المصيبة حتى يردها
بحسن عزائها كتب اللّه له ثلثمائة درجه، ما بين الدرجة الى الدرجة كما بين السماء
الى الارض، و من صبر على الطاعة كتب اللّه له ستمائة درجة، و ما بين الدرجة الى
الدرجة كما بين تخوم الارض الى العرش، و من صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمائة
درجة و ما بين الدرجة الى الدرجة كما بين تخوم الارض الى منتهى العرش، و قال
الصادق 7 انا صبرنا و شيعتنا أصبر منا، قيل له كيف صار شيعتكم أصبر
منكم؟ قال لأنا نصبر على ما نعلم و شيعتنا يصبرون على ما لا يعلمون، و قال 6 الصبر نصف الإيمان، فان قلت ما معنى كونه نصف الايمان؟ قلت قد
ذكر له الغزالي في إحيائه وجهين الاول ان الايمان يطلق على التصديقات و الأعمال
جميعا فيكون للإيمان ركنان احدهما اليقين و الآخر الصبر، و المراد باليقين المعرف
القطعية، و المراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين، اذ اليقين يعرّفه انّ المعصية ضارة
و الطاعة نافعة و لا يمكن ترك المعصية و المواظبة على الطّاعة الّا بالصبر فيكون
الصبر نصف الأيمان بهذا الأعتبار، و لهذا جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و
سلّم بينهما فقال من اقلّ ما أوتيتم اليقين و عزيمة الصبر.
الوجه الثاني
ان يراد من الأيمان ما ينفع في الدنيا و الآخرة او يضر فيهما و له بالإضافة الى ما
يضرّه حال الصبر و بالإضافة الى ما ينفعه حال الشكر، فيكون الشكر احد شطري الأيمان
بهذا الأعتبار كما كان اليقين أحد الشطرين بالإعتبار الأول، و بهذا النّظر قال بعض
الصحابة الأيمان نصفان نصف صبر و نصف شكر، و لمّا كان الصبر صبرا عن بواعث الهوى
بثبات باعث الدين و كان باعث الهوى قسمين باعث من حيث الشهوة، و باعث من جهة
الغضب، و الشهوة لطلب