ذلك فهو انما يفعلها
بمقتضى ما وصل اليه من خلط الطينات، فاذا اطلع على مثل هذا الحديث، و تعمّد افعال
الكبائر لحصول اللذة الدنيوية، و لعلمه بأن وبالها الاخروي انما هو على غيره، فقد
أتى بفعل من مادته و طبيعته، و زاد على ما اتى اليه من خبث المزج، لان معاصي المزج
هي المعاصي المتعارفة الوقوع في كل الاعصار بمقتضى الدواعي، و اما اذا كان الداعي
ما عرفت من انها ذنوب على الغير و ان فعلها هو فلا يكون فعلها من المعاصي
المتعارفة، فيكون انما اتى بها منه و من مادته لا من قضية المزج، فتأمل و تفكّر في
هذا المقام و قد بقى هيهنا ابحاث شريفة و شّحنا بها شرحنا على الصحيفة.
نور علمي
تقديري نور يكشف عن بعض احوال علمه القديم و تقديره الازلي سبحانه و تعالى
اعلم ان
المليين قد ذهبوا الى ان علمه تعالى يعمّ المفهومات كلها، الممكنة و الواجبة و
الممتنعة و يحيط بالكليات على الوجه الكلي، و بلجزئيات على الوجه الجزئي، و قد
خالف في هذا الدهرية و قدماء الفلاسفة، و افترقوا ستّ فرق.
الفرقة الاولى
من الدهرية ذهبوا الى انه لا يعلم نفسه قالوا لان العلم نسبة و النسبة لا تكون الا
بين شيئين متغايرين، و لا تغاير بين الشيء و نفسه، و الجواب منع كون العلم نسبة
بل هو اما عين الذات او صفة حقيقية ذات نسبة الى المعلوم، و نسبة الصفة الى الذات
ممكنة سلّمنا كونه نسبة لكن لا نسلّم ان الشيء لا ينسب الى ذاته نسبة علمية، فان
التغاير الاعتباري كاف لتحقق هذه النسبة، و كيف لا يكون كذلك و أحدنا يعلم نفسه مع
عدم التغاير بالذات.
الفرقة الثانية
من قدماء الفلاسفة من قال أنه لا يعلم شيئا أصلا تعالى عما يقول الكافرون علوا
كبيرا، و دليلهم أنه لو علم لعلم نفسه، اذ على تقدير كونه عالما بشيء يعلم أنه
يعلمه و ذلك يتضمن علمه بنفسه، و قد بينا امتناعه في مذهب الفرقة الاولى، و الجواب
ان مبنى هذا القول على قول الفرقة الاولى، و قد عرفت الجواب عنه.
الفرقة الثالثة
قالوا انه عالم بذاته و لكن ليس عالما بغيره، و استدلوا عليه بان العلم بالشيء
غير العلم بغيره من الاشياء الاخر و الا يلزم ان من علم شيئا علم جميع الاشياء لان
العلم به عين العلم بها و هو باطل، و اذا كان العلم بهذا الشيء مغايرا للعلم بذلك
الشيء فيكون له بحسب كل معلوم علم على حدحة، فيكون في ذاته كثرة متحققة غير
متناهية و هي العلوم بالمعلومات التي لا