نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 400
الباب الحادي و العشرون
192- إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فاتّبعه، فإنّه
لا يثقل عليها إلا ما كان حقّا.
قلت: هذا ميزان صحيح في حق السائرين المشتغلين بالجهاد الأكبر، قال
تعالى:
وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ
[الحج: 78]. و قال: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69]، فكل ما
يثقل على نفس المريد و تنفر منه فهو حق، فالواجب على المريد اتباعه، و كل ما يخف
عليها فهو باطل و فيه حظها، فالواجب عليه اجتنابه و هذا الأمر يختلف اختلافا
كثيرا، فرب نفس يثقل عليها غير ما يثقل على الأخرى، فبعضها يثقل عليها الصمت، و
بعضها يثقل عليها الكلام، كما إذا تربى في الصمت، و بعضها يثقل عليها العزلة، و
بعضها يثقل عليها الخلطة، و بعضها يثقل عليها الصيام، و بعضها الفطر، و بعضها يثقل
عليها السؤال و تموت منه في ساعة واحدة، و بعضها يخف عليها كما إذا تعودته قبل
الأمر به، و قس على ذلك. فليكن للعبد على نفسه بصيرة، و يصير معها على عكس مرادها،
هكذا يستمر معها يخالفها فيما تأمره، و يتهمها فيما تستحسنه، فإذا تزكت و تطهرت من
الحس و لم يبق فيها بقية، فحينئذ يجب عليه موافقتها إذ لا يتجلى فيها حينئذ إلا
الحق، فقد جاء الحق و زهق الباطل، فيصير أمر العارف معكوسا مع السائر، فالسائر
يضره التدبير و الاختيار، و العارف ينفعه، و السائر تضره الخلطة و العارف تنفعه،
السائر يضره الكلام و العارف ينفعه، السائر تضره الدنيا و يهرب منها، و العارف
غائب عنها لا تضره، و ربما تنفعه. و الحاصل: أن الواصل معكوس مع السائر في أموره
كلها، و باللّه التوفيق. و يجب على من أراد جهاد نفسه أن يلقيها إلى شيخ التربية،
إذ قد يلتبس عليه أمرها، و على فرض علمه بما يثقل عليها لا قدرة له على مجاهدتها
إلا بهمة الشيخ، هذه سنة اللّه في عباده، فإن النفس لا تريد أن تخرج عن رأيها و
مرادها أبدا، فالواجب إسلامها إلى من يعينه عليها، و انظر التكاليف الشرعية تجدها
مخالفة لهوى النفس، و من لا يلقي قياده إلى الشرع فهو كافر، و ما كفر من كفر إلا
بنتبع الأهواء، و اللّه تعالى أعلم.
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 400