نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 191
عليها ليوم لقاء اللّه، و على ذلك نبه
بقوله:
71- إنّما جعل الدّار الآخرة محلّا لجزاء عباده المؤمنين، لأنّ هذه
الدّار لا تسع ما يريد أن يعطيهم، و لأنّه أجلّ أقدارهم عن أن يجازيهم في دار لا
بقاء لها.
قلت: لا شك أن اللّه تعالى و سم هذه الدار بدار الغرور، و حكم عليها
بالهلاك و الثبور، فهي دار دنيّة دانية زائلة فانية، فلذلك سميت الدنيا إمّا
لدنوها، و إما لدناءتها، فهي ضيقة الزمان و المكان، و وسم الآخرة بدار القرار، و
محل ظهور الأنوار، و انكشاف الأسرار، محل النظرة و الحبور، و دوام النعمة و
السرور، محل شهود الأحباب، و رفع الحجاب، نعيمها دائم، و وجودها على الدوام قائم،
فلذلك جعلها الحق تعالى محلا لجزاء عباده المؤمنين، و مقعد صدق للنبيين و
الصديقين، و لم يرض سبحانه أن يجازيهم في دار لا بقاء لها ضيقة الزمان و المكان، و
محل الأكدار و الأغيار و الذل و الهوان، لأنها ضيقة لا تسع ما يريد أن يعطيهم أي
لا يسع ما فيها ما يريد أن يكرمهم به تعالى زمانا و لا مكانا، لأن أدنى أهل الجنة
يملك قدر الدنيا عشر مرات، فكيف بأعلاهم قال تعالى:
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما
كانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]. و قال صلى اللّه عليه و
آله و سلم: يقول اللّه تبارك و تعالى:
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على
قلب بشر[1]»، و لأنه
جل و علا أجلّ أي عظم أقدار عباده المؤمنين و المقربين، أن يجازيهم في دار لا بقاء
لها فعمارتها خراب، و وجودها سراب، ففي بعض الأخبار: لو كانت الدنيا من ذهب يفني و
الآخرة من خزف يبقي لاختار العاقل الذي يبقي على الذي لا يبقي انتهى. لا سيما و
الأمر بالعكس، فالآخرة من ذهب يبقى و الدنيا من خزف يفنى، فلا يختارها إلا من حكم
اللّه عليه بالشقاء