المرار عليهم اكثر من غلبة البلغم. فهذه
الأقاويل بينه في الدلالة على حاجة الطبيب الى تعرف حال البلد الذي يحتاج ان يدبر
سكانه، و كذلك أقاويل أخر كثيرة لبقراط لم أر[1]
اطالة هذا الباب بذكرها اذ كان فيما احضرته كفاية لمن له قريحة و سيبعثه ذلك على
طلب ما لم تذكره في مواضعه، ليكمل هذا الباب و للّه الحمد كثيرا.
القول في تغايير الصنائع و الأعمال للأبدان
و اذا كانت اعمال الناس و صنائعهم لها من القوة في احالة الأبدان و
نقلها من كيفيات الى اضدادها كالمزاج الحار يصير باردا، و البارد حارا، و الرطب
يابسا و اليابس رطبا، و الليّن صلبا، و الصلب لينا و غير هذه من المتضادات فلذلك
يلزم الطبيب ان يعلم ما تفعله كل صناعة من الصنائع في مزاج كل واحد من الناس
الصحيح منهم و المريض ليحفظ الصحيح بما شابهه و يشفي المريض بما ضاده، فالصنايع
التي تعاني النار و الشمس مثلا تكسب الأمزجة الحرارة كصنايع السباكين و الحدادين و
الزجاجين و الكلّاسين و اشباه هذه من المهن فان هذه و نظايرها تفعل في الابدان
بحرارة النار و قربهم منها و بالبعث في معاناتها و أحتداد هذه الصناعة في تبريد
الابدان للصنايع التي تعاني الماء كالغواصين و الملاحين و الصيادين في الماء و
نظاير هذه الصنايع. فأما الصنايع التي تيبس الأبدان فهي الكثيرة الكدّ و التعب و
خاصة في الشمس كالبنائين و قطاعي الحجارة و النجارين و المصارعين و النقالين و
نظائر هذه. فأما التي ترطب الأبدان فذوات الدعة و قلة التعب و التي يتوفر فيها
اللذات على البدن كمهنة العطر و مهنة الموسيقى و المدمنين على الحمامات و نظاير
هذه و ما ينبغي للطبيب ان يعنى بمعرفة أمر الصنايع ذوات الكيفية الرديئة المضرة
بالأبدان و ما نوع الضرب الداخل منها على جملة البدن و على عضو عضو من اعضائه كالصنايع
التي تقوم منها الروائح الرديئة مثل الدباغة و تنقية طرق المياه و الاثفال فان هذه
و ما ماثلها تضر بالحواس و بالدماغ و خاصة اذا اتصلت و تتابعت و كالغربلة للحبوب و
دقّ الكتان و مشطه و عمل الصابون و الصنايع التي يعاني اربابها الدخان كثيرا فان
هذه و ما اشبهها كثيرا ما تضرّ بالصدر و الرئة و تكسب ضيق
[1] ( 212 ب) وردت في الاصل( ارى) و الصحيح ما اثبتناه.