و اما المشروبات فالعلم بقواها و افعالها واجب أيضا ليستعمل نافعها و
يحذر ضارها و لا يقدر على ذلك من جهة امزجتها و طبائعها، و لأن الماء أقدمها كلها
في الشرف و الطبع و المرتبة و النفع فلذلك يلزم العناية بعلم حالاته التي بها يفيد
الأبدان و ذلك ان حاله الطبيعية له هي واحدة لا تختلف و ذلك انه جوهر لا لون له و
لا طعم و لا رائحة و لكنه باردا رطبا و خلق جسمه لا ثبات له و لا أتصال لاجزائه
الا بنظام يضمها و مكان (الأخزانه بعضها عن بعض يخزنه فلذلك[1]
لا يغذو[2] غير أنه
نافع في نضج الغذاء و نفوذه الى أجزاء الاجسام فأما ما وجد من المياه مخالفا لما
ذكر فبغير شك ان جسمه قد خالط غيره من الأجسام ذوات الكيفيات و اكتسب بذلك كيفيات
لم تكن كالمياه الكبريتية و البورقية و الشبيّة و أشباه هذه المياه المختلفة
الطعوم و الأفعال، و لذلك صار له طعم ورائحة أو ثقل عن وزن غيره، و لأجل ذلك يصير
مغيرا للابدان و مؤثرا بايثارات مختلفة فيها، فيجب على الطبيب ان يعنى بمعرفة قوى
المياه و اختلافها فان الضرر الداخل على الجسم من اهمال أمر الماء عظيم جدا لأصل
الحاجة اليه في البقاء و استعماله دائما و أمره و أمر الهواء و أمر فصول السنة اذا
اختلفت و أمر الرياح في عمومها للابدان أمر واحد[3]
في الضرر الداخل على الاجسام منها و لذلك قال بقراط هذا القول: قال بقراط من أراد
طلب الطب على طريق المستقيم فينبغي ان يفعل هذه الأشياء التي أنا واصفها و هي ان
تتفكر اولا في اوقات السنة ما الذي يقدر ان يفعل ذلك ان بعضها لا يشبه بعضا لكنها
مختلفة جدا في أنفسها و في تغيرها. ثم ينظر بعد ذلك في الارياح الحارة منها و
البادرة و خاصة ما يعم منها جميع الناس ثم ما يخص منها كل واحد من البلدان. و قد
ينبغي له ايضا ان يفكر في قوى المياه، فانه كما قد تختلف المياه في الطعم و في
الوزن. كذلك قوة كل واحد منها مخالفة جدا لغيره. و اذا تدبرنا ما أمرنا به بقراط
بأفكارنا علمنا ان الماء عظيم النفع في حفظ الصحة اذا كان موافقا، و عظيم المضرة
اذا كان غير موافق، و لا يقدر على تمييز ذلك و تحصيله اكثر مما ميزه القدماء و
اشدهم تحصيلا لذلك