أميال[1].
و ذلك انه في أول الأمر الحال فيهما من الحرارة أقرب منهما الى الاعتدال فيما
بينهما و بين البرد، و قال ثم أنه يجب ضرورة أن لا يكون في تلك المدينة هواء غليظ
و ذلك ان الشمس تمنع من ذلك اذا طلعت فوقع شعاعها عليه لأن الهواء الغليظ انما
يكون في كل واحد من الأوقات في الغدوات على الأمر الأكثر و أحذر الألحاح على تأمل
الأنوار القوية الساطعة كجرم الشمس و ما عظم من النيران فأن ذلك لضعف نور البصر و
تفرقه و كذلك يفعل البياض الساطع فانه يفرق البصر كما ان اللون الأسود يجمعه، و
كذلك يجب أن يحذر الإدمان على الاعمال الدقيقة و الخط الدقيق فان ذلك يضعف البصر
أيضا و مما ينقي العينين تنقيتهما و غسلهما و خاصة بعد النوم و حفظهما مما يرد
اليهما، و من العرق النازل اليهما و لا بأس من يتعاهدهما بما قواهما من الاكحال
كالأثمد[2] و نظيره و
قد يفعل ذلك ايضا النظر الى المبصرات المحمودات و النافعات كالخضر و انواع النبات
النضرة. و على ما ذكرته لك فقس و أعدل ببصرك أيها العاني بمصلحته مع توفرك على
جميع هذه الأشياء الى قراءتك[3] في الكتب
و الالتذاذ بفوائدها فان هذه هي أول النعم التي وجهها لك باريك تعالى و أوصلك
اليها بنور عينيك فعليك و علينا ان نحمده كثيرا و نسبحه دائما و نصرف ابصارنا عن
المحذورات و المذمومات لتدوم هذه النعمة لنا و علينا.
القول فيحس السمع و الأشياء الموافقة له
و كذلك يجب ان تنظر في آلة السمع فانها حاسة لطيفة أيضا محتاجة في
تمام فعلها الى الهواء لان بتوسطه تصل المسموعات اليها مما تحمله الأصوات
كالاقاويل و النغم و الألحان و الأخبار و بالجملة جميع المسموعات، فلذلك يجب ان
نعنى بالهواء الذي هو الواسطة كالعناية التي وصيت بها في حاسة البصر و أخص العناية
ينبغي أن تكون بالهواء الذي داخل الأذن فان به يتم الاستماع اولا ثم بالهواء
الخارج عن الأذن باتصال أحدهما بالآخر فاحذر