ابدأ بالعناية باصلاح الأمور الحافظة للدماغ، اولا لأنه مقدم في
الشرف و الافعال الحيوانية و الانسانية. أما فعله النافع العام لسائر الحيوان فهو
الحس و حركة الانتقال و لو لا ما يثبت من الدماغ من الأعصاب التي ترد فيها القوى
الحساسة و المحركة الى الحواس و الأعضاء المتحركة لما أحس الحيوان و لا انتقل من
موضع الى موضع. و أما فعل الدماغ النافع للانسان خاصة مع تلك الأفعال فهو أن به
يتم له التمييز[1] و الحفظ و
الذكر و التخيل و ليس هذه الأفعال تامة كاملة إلا للانسان الذي هو النوع التام
الكامل الذي خصّه اللّه تبارك و تعالى بأعدل الأمزجة باضافته الى سائر انواع
الحيوان فلذلك قيل أن مزاج دماغه أعدل من سائر أدمغة الحيوانات، و لذلك ايضا قيل
أنه صار محلا لقوى النفس الناطقة الألهية الشريفة التي خصّ بها نوع الانسان فصار
نوعا شريفا يعلم بها العلوم و يستخرج بها دقيق المهن و محاسن الصنايع. و إذا كان
هذا العضو هذه أصول منافعه و جمل أفعاله فواجب على كل عاقل ان يعنى بحفظه لأنه
للجسم و لسائر اعضائه بمنزلة ما الملك عليه من التدبير و الاهتمام بمصالح سائر من
في ملكه و مدينته فكما الملك أن أغفل تمييزه و قل اهتمامه بأمر خواصه و عوامه فسد
حالهم و حاله، كذلك الدماغ إن تغير مزاجه أو ساءت حاله[2]
و فسد تميزه بمرض من الأمراض اضطرب سائر الجسم و فسدت حالاته. و لا يقدر على حفظ
الدماغ إلا من عرف مزاجه و طبعه و كذلك يجري الأمر من أمر حفظ سائر الأعضاء فعليك
أيها الطبيب ان تعنى بمعلم مزاج الانسان و تميزه من أمزجة سائر الممتزجات ثم تعنى
ايضا بتصرف الأمزجة الخاصة بشخص شخص و كم أصنافها و خواصها و علاماتها ثم تعرف ما
يختص به عضو عضو من أعضاء البدن من تلك الأصناف ليمكنك ان تصيب في حفظها على حال
صحتها و تكتسب لها الصحة عند مرضها و أعلم اولا من أمر سائر أدمغة الحيوان أنها
خلقت مائلة الى البرد و الرطوبة و ذلك باضافة مزاج دماغ الحيوان الى باقي اعضائه،
أي حيوان كان. فلذلك قيل ان مزاج دماغ الانسان بارد رطب.