قال جامع هذا الكتاب و مؤلفه: أن اناسا من الأطباء أيها الحبيب أسعدك
اللّه يبلوغ مطلوباتك، و أعانك على درك الحق حين جهلوا أصول صناعة[2]
الطب، وفاتهم درك فروعها و قصروا عن تأمل الصواب في طرقها خرجوا الى الحيل و
التلبيس حتى افسدوا محاسنها و أساؤا سمعة أهلها و كانوا بمنزلة بنائين راموا إصلاح
تشعيت دار قد بنيت أتقن بناء و أحكمت أحسن أحكام و أعدّ فيها ضروب المصالح و
المنافع فجعلوا يسعون فيها محجوبة أبصارهم عن مواضع الفساد لجهلهم بمعرفة ما فيه
بنيت الدار و سوء تحصيلهم نظمها، و أحكام هيئتها، فانهم لما عميت أذهانهم عن معرفة
الأسباب و العلل لكونها، صاورا يجولون كالحيارى، لا يفهمون مواضع الفساد و لا
مواقع علله، و ربما رام الواحد منهم الإصلاح لشيء يجهل سببه فيسرع الى فساده، و
هدم أساسه كالذي أقدمت و جاهرت به الطائفة من الأطباء الذين رأيتك تذمهم و توبخهم
و اشباههم من اهل القحة) و الإقدام على ما لا يعلمونه فحقّ على من انعم اللّه عليه
بمعرفة و وفقه لتأميل هذه الصناعة او حلّها و الوقوف على ما فيها من لطف التدبير،
و صواب التقدير ألّا يقصّر في إظهار ما بلغه علمه من ذلك بل يعهد في نشره و إذاعته
ليقوّي به نفوس اهل الحقائق و يجتنب به سوء العمل في تدابير الأصحاء و المرضى
محتسبا للثواب في ذلك واثقا بمعونة اللّه تعالى و تأييده إياه. و قد تكلفت جمع ما
قدرت عليه من الآداب التي ينبغي للطبيب أن يؤدب بها نفسه و الأخلاق المحمودة التي
ينبغي ان يقوّم بها طبعه. و ذكرت طرفا من التدابير التي ينبغي أن يدبر بها جسمه و
الأفعال التي يجب أن يفعلها بذاته أولا، و الأفعال التي يفعلها بالأصحاء، و المرضى
و جملا من الأفعال و الوصايا و التدابير التي ينبغي له أن يتقدم بها الى المريض و
خدمه، و من يتولى مصالحه؛ و جعلت جميع ذلك مقالة أولى من هذا الكتاب، ثم جمعت في
المقالة الثانية ما يجب على المريض ان يكون عليه من القبول لتصلح أخلاقه لنفسه، و
لطبيبه و لخدمه، فيتم بذلك صلاح جسمه، و ذكرت فيها أيضا واجبات و لوازم تدعو
الحاجة اليها في صلاح الأصحاء و المرضى من قصص، و أخبار يتأدب بها سائر الناس كافة
[1] ليس لهذه المقدمة عنوان في المخطوط، و ما
اثبتناه كان من وضعنا.
[2] اول من عدّ مهنة الطب( صناعة) هو ابقراط
القوصي المتوفي سنة 377 ق. م( ابن ابي اصيبعة( ص 43- 44).