الباب الثامنعشر في التحذير من خدع
المحتالين الذين يتسمون باسم الطب و الفرق بين خدعهم و الحيل الطبية
ليس غرضي في هذا الباب ايها الحبيب ذم الحيلة على الاطلاق اذ كان
معنى هذا الاسم، انما بلطف الانسان و فطنة العقل في اصابة ما بعد و اعتاض عن غرضه
و بهذا المعنى اعني (طريق للحيلة) قدر الانسان ان يستخرج دقيق العلوم و الصنائع
لأن الموجودات لم يكشفها الباري بأسرها للانسان لئلا يسقط عن الناس كلفة النظر و
البحوث و يذهب تفاضلهم بمعرفة العلوم و المهن فتسقط المراتب و الرئاسات بذلك، و
هذا هو سلب نوع الانسان ما به شرف و عدم حكمته التي بها فضّل على انواع الحيوان،
فلذلك جعل اللّه تعالى بعض الأمور ظاهرة جلية و بعضها خفيّة ليتوصل بلطيف حيلة
العقل و تدقيق ذهنه من الأمور الظاهرة الى معرفة الأمور الباطنة كالذي فعله اصحاب
الرياضات، فان المهندسين انما علموا ان الثلاث زوايا من كل مثلث مساوية لقائمتين
من المصادرات التي قدمها اقليدس[1] في اول
كتابه في الأصول التي علمها ظاهرة عندهم، و من ذلك ترقوا الى علم حالات المقادير
باسرها و السطوح و الأجسام و بذلك امكنهم مساحتها، و من ذلك ترقوا الى علم مقادير
الاقاليم و مساحة جملة الارض ثم الافلاك، و بذلك علموا مواضع ما تهيأ لهم رصده من
الكواكب و حركاتها و ابعادها. و هذا الطريق مسلك اصحاب علم الحساب من استخراج
الجذور و غيرها، كذلك جرى أمر اصحاب علم النجوم فانهم (قفوا) آثار الأمور
[1] اقليدس- عالم رياضي يوناني نشأ في
الاسكندرية، و اشتهر بكتابه المعروف بالأصول في مبادئ الهندسة، و هو اشهر كتبه و
قد يكون عاصر الملك بطليموس الاول( 323- 285 ق م)