أما بعد ما قدمته من الأقاويل النافعة للاطباء و لسائر الناس فأني
قائل في محنة الطبيب قولا ليس بدون نفع الاقاويل المتقدمة و ذلك ان محنة الطبيب
واجبة لاسباب أقدمها شرف الموضوع لصناعة الطب و الموضوع هو الانسان المحتاج الى
استعمال الطب فان الغلط من الطبيب اذا وقع بالانسان كان اعظم كثيرا من أغلاط اصحاب
الصنائع الأخر لان النجار و الصائغ و غيرهما من اهل الصنايع و المهن لا تبلغ
مقادير اغلاطهم مقدار غلط الطبيب، كما لا يبلغ قدر موضوعاتهم قدر موضوعه و هو نفس
الانسان و جسمه و ايضا فان الصائغ مثلا متى غلط في صناعة الخاتم امكنه كسره و
أعادته و كذلك النجار في عمل السرير و الاسكافي في عمل الخف. فأما غلط الطبيب فليس
كذلك و خاصة ان كان غلطه مهلكا فاليأس من الصلاح واقع. فلذلك وجب تمييز الأطباء
بالمحنة و انتقادهم بالنظر و البحث ليظهر فضل الافاضل فتسلم اليهم النفوس و يظهر
جهل المدعين لها فيحذر على النفوس منهم، و من الاسباب الموجبة لمحنة الطبيب صعوبة
الصناعة و طولها، اما صعوبتها فلكثرة اصولها و من الأحرى ان تكون فروعها اكبر
كثيرا و ايضا فلاشتباك أصولها و فروعها بعضها ببعض فلذلك أتسعت الاقاويل فيها و
وضع أهلها في علمها اصنافا من الكتب فاستصعب لذلك دركها و خاصة على أهل الكسل و
التواني و على من غلظت قريحته و قنع منها بالتكسب بأسمها و بالحيل التي قد نصبها
الاشرار و اصحاب الحيل للناس كالشباك و الافخاخ لصيد الحيوانات فلذلك يجب ان يفتش
عمن أدعاها لينظر هل هو من اهلها بالحقيقة لانه قد افنى زمانه في درس كتبها و في
صحبة أهلها و في خدمة المرضى و عانى من امرها ما يستحق معه ان