(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
تقديم أعمال الآخرة دائما على أعمال الدنيا فيقدم أحدهم ورده بعد صلاة الصبح على
سائر مهماته، كما يقدم التهجد في الليلة الباردة على نومه تحت اللحاف، و على ذلك
درج السلف الصالح كلهم رضي اللّه عنهم فمن أصبح و همته الدنيا فهو خارج عن طريقهم،
و قد رأيت مرة شيخنا أراد التنزه في بستان فترك ذلك اليوم الورد و صلاة الصبح مع
الجماعة، و كان له عمامة صوف و عذبة فقلت له: يا أخي لو لبست لك عمامة مخططة و
ثوبا مخططا مما يلبسه العياق و صليت الصبح في جماعة و قرأت الورد لكان ذلك أفضل لك
عند اللّه تعالى فلم يرد جوابا، و كان يونس بن عبيد رحمه اللّه تعالى يقول: من لم
تكن عنده تسبيحة أو تهليلة واحدة خيرا من الدنيا و ما فيها فهو ممن آثر دنياه على
آخرته، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: و من خطب الدنيا طلبت منه دينه
كله في صداقها لا يرضيها منه إلا ذلك، و كان سيدي الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه
اللّه تعالى يقول: الدنيا ابنة إبليس فمن خطبها كثر تردد أبيها إليه فإن دخل بها
أقام عنده بالكلية.
(قلت) المراد بخطبته الدنيا تمنيها و الدخول بها إمساكها، أي إمساك
الفاضل منها عن حاجته لغير غرض شرعي فعلم أن من أراد أن إبليس لا يسكن عنده مع تزويجه
ابنته فقد رام المحال، و لذلك كان يتوسوس في الصلاة و الوضوء و النيات كلها كثير
من الناس الذين يحبون الدنيا بقلوبهم، و الحمد للّه رب العالمين.
ضياع الذرية
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم خوفهم من ضياع ذريتهم من بعدهم و لذلك كانوا ينفقون كل ما دخل يدهم من الدنيا
و لا يدخرون شيئا و لو أنهم خافوا على ذريتهم الضياع لحكم عليهم الحرص و البخل و
الشح و خرجوا عن صفات القوم، و في الحديث [الولد مبخلة مجبنة] أي يدع أباه بخيلا
جبانا عن الجهاد و غيره، و في الحديث أيضا [مالك ما قدمت و مال و ارثك ما أخرت].
و كان الحسن البصري رحمه اللّه تعالى يقول: أنفق يا ابن آدم و لا
يغرنك من حولك من هذه السباع الضارية ابنك و حلائلك و كلالتك و خادمك، فإن ابنك
مثل الأسد ينازعك