و كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه إذا مرض
لا يتداوى بإشارة طبيب، و قالوا له مرة: ألا ندعو لك طبيبا، فقال: تاللّه لو علمت
أن شفائي في مس أذني ما مسستها نعم ما يفعله ربي عز و جل، و لما عادوا يحيى بن
معاذ قالوا له: كيف تجدك؟ قال: عشت في الدنيا ظالما، و قيل للإمام الشافعي كيف
تجدك؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا و لسوء أعمالي ملاقيا و على فضل ربي معولا، و
دخل بعض الأمراء على داود الطائي في مرضه فوضع إلى جنبه ألف دينار فقال له: خذها
عافاك اللّه، فقال له: ألك من حاجة؟ قال: نعم أن لا تأتيني بعد اليوم ثم التفت
للحاضرين و قال: هذا يريد أن يزيدني دنسا على دنسي قبل موتي.
(و دخلوا) على الفضيل بن عياض يعودونه فقالوا: ما تشتهي قال: نظرة
إلى أخي يوسف بن أسباط قبل موتي، و كان حاتم الأصم إذا رأى بخيلا يتصدق في مرض
موته يقول: اللهم أدم مرضه فإنه تكفير لخطاياه و أفضل للفقراء، و قالوا لمحمد بن
سيرين في مرض موته كيف تجدك؟ فقال: أجدني في بلاء شديد أجوع فلا أستطيع أن أشبع و
أعطش فلا أستطيع أن أروي و أرقد فلا أذوق الكرى، و قالوا و كان قليل الشكوى في
مرضه و لكنه اشتد عليه فلم يطق حمله، فشكى إلى إخوانه ليدعوا له باللطف.
و مرض الفضيل بن عياض مرة فقالوا له: كيف تجدك؟ فقال: بخير و لكن
ادعوا لي بطول المرض حتى لا أرى الناس و لا يروني و دخلوا على أبي بكر بن عبد
اللّه يعودونه فخرج إليهم يهادي بين رحلين فقالوا: ادع اللّه لنا، فقال: رحم اللّه
من اشتغل بطاعة ربه قبل أن يصير إلى مثل حالي هذا. و دخلوا على المأمون في مرضه
الذي مات فيه فإذا هو قد أمر خدامه أن يفرشوا تحته جل الدابة و يبسطوا عليه
الرماد، و صار يتمرغ عليه و قال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه، و دخلوا
على عتبة الغلام في مرض موته فقالوا: كيف تجدك؟
فأنشد يقول:
خرجت
من الدنيا و قامت قيامتي
غداة
يقل الحاملون جنازتي
و
عجل أهلي حفر قبري و صيروا
خروجي
و تعجيل إليه كرامتي
كأنهم
لم يعرفوا قط صورتي
غداة
أتى يومى على و ليلتى
قال عمر بن عبد العزيز و لما طعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه دعا
بلبن فشرب منه فخرج اللبن من طعنته فقال: اللّه أكبر فجعل جلساؤه يثنون عليه خيرا
فقال: و اللّه لو وددت أنى خرجت من الدنيا كفافا كما دخلت فيها و لو كان لي اليوم
جميع ما طلعت عليه الشمس و ما غرب لافتديت به من هول المطلع.