أكثر مما تستعظمون أنتم كبارها، و كان
الربيع بن خيثم رحمه اللّه تعالى إذا ضحى في العيد يقول: و عزتك و جلالك لو علمت
رضاك في ذبح نفسي لذبحتها لك، قال: و قد مكث كهمش بن الحسن رحمه اللّه تعالى
أربعين سنة يبكي على غسله يديه بتراب جاره بغير إذنه، و كان يقول: ربما كان أحدكم
يظن إن اللّه تعالى غفر له ذنبه حين يتقادم عهده و ذلك غرور، و قد بلغنا أن اللّه
تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة و السلام يا داود قل لبني إسرائيل بأي طريق وصل
إليكم أني قد غفرت لأحدكم ذنبه حتى يترك الندم عليه، و عزتي و جلالي لأوقفن كل
مذنب على ذنبه يوم القيامة.
(قلت): و لعل معنى وقوف العبد على ذنبه ليريه تعالى فضله عليه فلا
يلزم من ذلك عدم المغفرة و اللّه أعلم، و كان يزيد الحميري رحمه اللّه تعالى يقول:
قلت مرة لراهب لم آثرتم لبس السواد على البياض، فقال: لأنه شعار أهل المصائب و نحن
أهل الذنوب و هي أعظم المصائب، قال: و مر عتبة الغلام رحمه اللّه يوما على مكان
فارتعد و رشح عرقا، فقالوا له في ذلك، فقال: هذا مكان عصيت اللّه فيه و أنا صغير،
و قد حج مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى ماشيا من البصرة فقيل له ألا تركب، فقال:
أما يرضى العبد العاصي الآبق أن يأتي إلى صلح مولاه إلا راكبا، و اللّه لو أني
أتيت مكة على الجمر لكان ذلك قليلا انتهى.
فاعلم ذلك يا أخي و إياك أن تتهاون بالاستغفار إذا تقادم عهد الذنب
فإنك من المعصية على يقين و من المغفرة على شك و أكثر من الاستغفار ليلا و نهارا،
و الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الخوف من اللّه
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الخوف من اللّه تعالى أن يعذبهم على ما جنوه من مظالم نفوسهم و مظالم العباد،
و لو عود خلال لأحد أو إبرة يخيطون بها لا سيما إن كان أحدهم يستقل أعماله الصالحة
في عينه فإنه يشتد خوفه و كربه لعدم أن يكون معه شيء من الحسنات يعطي منها الخصوم
يوم القيامة، و ربما شح أحد المظلومين يوم القيامة فلا يرضى بجميع أعمال الظالم
الصالحة في مظلمة واحدة من مال أو عرض أو لطمة، و في الحديث أن رسول اللّه صلى
اللّه عليه و سلم قال: [أتدرون من المفلس من أمتي يوم القيامة؟، قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له و لا دينار و لا متاع، فقال صلى اللّه
عليه و سلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بصيام و صلاة و زكاة و حج، و يأتي و قد
شتم هذا و أكل مال هذا و سفك دم هذا و ضرب هذا فيعطى هذا من حسناته و هذا من
حسناته فإن فنيت قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم قذف في النار].
و كان عبد اللّه بن أنيس رضي اللّه عنه يقول: ينادي رب العزة يوم
القيامة أنا الملك الديان لا