و جاء حوشب بن مالك إلى مالك بن دينار فقال:
إني رأيت البارحة كأن مناديا ينادي أيها الناس الرحيل الرحيل فما رأيت أحدا ارتحل
سريعا سوى محمد بن واسع فصاح مالك صيحة و خر مغشيا عليه، و كان سفيان بن عيينة
يقول: مات أخ لي فرأيته بعد موته فقلت له: ما فعل اللّه بك؟ فقال: غفر لي كل ذنب
استغفرته منه و ما لم أستغفره منه لم يغفره لي.
و كان صالح بن بشر يقول رأيت عطاء السلمي بعد موته فقلت له: يرحمك
اللّه لقد كنت طويل الحزن في دار الدنيا فما فعل اللّه بك؟ فقال: أعقبني ذلك الحزن
راحة طويلة و فرحا شديدا، قال: و رأيت الفضيل بن عياض بعد موته فقلت له: ما فعل
اللّه بك؟ فقال: لم أر شيئا أفضل من تأدية الفرائض فعليكم بها.
و كان عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه يقول: إني لأود أن حسناتي
تفضل على سيئاتي و لو مثقال ذرة و لو أنهم أوقفوني بين الجنة و النار و قالوا لي:
تمن ما تريد لتمنيت أن أكون ترابا، و قد كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى
يقول: لو أني خيرت بين أن أبعث و أحاسب ثم أدخل الجنة بعد ذلك لاخترت أن لا أبعث،
و كان أبو ذر رضي اللّه عنه يقول: إن خوف الحساب لم يترك على بدني لحما، و قد كان
أبو هريرة رضي اللّه عنه يقول: إذا سبق العصاة إلى جهنم و هم عطاش فأول ما يتحفون
في النار بسم العقارب و الحيات فتذوب أبدانهم و العياذ باللّه تعالى، و قد كان عبد
اللّه بن عباس رضي اللّه عنما يقول في قوله تعالى:
[لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ][1]
إنه الشوك اليابس الذي يقف في حلوقهم، و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه
تعالى يقول: يرسل اللّه تعالى على العصاة البكاء فلو أن السفن أجريت في دموعهم
لجرت، و قد تقدم أن عيسى عليه الصلاة و السلام كان يقول: كم من وجيه صبيح و لسان
فصيح بين أطباق الثرى يصيح انتهى، و أقاويل السلف في الخوف كثيرة و الحمد للّه رب
العالمين.
تربية المريدين
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة استشهادهم في تربية المريدين بما أدب اللّه تعالى به عباده المقربين من
الأنبياء و المرسلين عليهم الصلاة و السلام و الأولياء و الصلحاء رضي اللّه عنهم
في الكتب السالفة، و ذلك ليعلم المريدون أن تقوى اللّه تعالى لم يزل