و في الحديث [جاهدوا أنفسكم بالجوع و العطش
فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل اللّه]، و في الحديث [لا تميتوا القلب
بالطعام و الشراب فإن القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء]، في الحديث أيضا
[أذيبوا طعامكم بذكر اللّه] و في رواية [و الصلاة و لا تناموا عليه] يعني من غير
ذكر فتقسو قلوبكم، و في الحديث [شرار أمتي الذين يأكلون مخ الحنطة].
و كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: إياكم و
البطنة فإنها ثقل في الحياة و نتن في الممات، و كان شقيق البلخي رحمه اللّه تعالى
يقول: آلة العبادة الجوع فإن المعدة إذا امتلأت قعدت الأعضاء عن العبادة، و كان
فتح الموصلي رحمه اللّه إذا اشتد به المرض و الجوع يفرح بذلك و يكثر من الشكر، و
كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: قلت لمحمد بن واسع رحمه اللّه طوبى لمن
كان له قوت يغنيه عن الناس، فقال لي: طوبى لمن أصبح جائعا و أمسى جائعا و هو راض
عن ربه عز و جل ثم أخرج خبزا يابسا فبله بالماء و أكله بالملح و قال: من رضى من
الدنيا بهذا فلا يحتاج إلى الناس ا ه، فاعلم ذلك يا أخي و اقتد بسلفك الصالح، و
الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الحزن
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الحزن على تفريطهم في جنب اللّه لا سيما عند رؤيتهم القبور و تذكرهم أهوال
يوم القيامة و خوفهم من الفتنة ماداموا في هذه الدار، و في الحديث [لا تقوم الساعة
حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر] ا ه، فخاف القوم
أن يدركوا ذلك الزمان فلا يصح لهم فيه صبر و يقع منهم سخط فيهلكوا، قال: و لما رأى
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قبر أمه بكى، فقيل له في ذلك فقال: أخذني ما يأخذ
الولد من الرقة، و كان صلى اللّه عليه و سلم قد استأذن ربه أن يستغفر لها فلم يأذن
له.
(قلت) قد نقل الحافظ السيوطي رحمه اللّه تعالى و غيره عن الحفاظ
إحياء أبوي النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى آمنا به ثم رجعا إلى القبر، و كان أمير
المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه إذا مر بقبر بكى حتى يبل لحيته، و قد مر
عمرو بن العاص رضي اللّه عنه يوما على مقبرة فنزل و صلى ركعتين قريبا من القبور
فسل عن ذلك فقال: إني رأيتهم قد حيل بينهم و بين الصلاة فأحببت أن أتقرب بينهم
بركعتين استغناما للعمر.
و قد كان مجاهد رحمه اللّه تعالى يقول: أول من يكلم الميت حفرته
فتقول له: أنا بيت الغربة أنا بيت الظلمة أنا بيت الدود هذا ما أعددته لك فأين ما
أعددت لي، و قد كان