(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم حبهم للرياسة في شيء من أمور الدنيا لما فيها من كثرة الآفات، و قد كان
الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: ما أحب أحد الرياسة على الناس إلا أحب ذكر
عيوب الناس و نقائصهم و كره ذكرهم بخير لتتم له الرياسة عليهم، و كأن محل ذلك فيمن
طلب الرياسة بغير حق أما الطالب باللّه فلا، و كان يقول: من أحب الرياسة على الناس
لم يرتفع أبدا.
و كان الإمام الشافعي رضي اللّه عنه يقول: من طلب الرياسة قبل حينها
فرت منه و من تركها تبعته، و كان يحيى بن الحسين رضي اللّه عنه يقول: سمعت سفيان
الثوري يقول: من طلب الرياسة قبل وقتها فاته علم كثير، و تقدم بسط الكلام على
الرياسة في هذا الكتاب فراجعه، و الحمد للّه رب العالمين.
السرور بالفقر
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
سرورهم بالفقر و ضيق المعيشة و غمهم بالغنى إذا أقبل و هذا الخلق لا يوجد اليوم
إلا في بعض أفراد من الفقراء الذين صدقوا في محبة رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم، و قد أدركت بحمد اللّه تعالى جماعة من أشياخ مصر كانوا رضي اللّه عنهم
ينشرحون للفقر و ضيق المعيشة و يكثرون من الحمد و الشكر على ذلك، منهم شيخنا سيدي
علي الخواص و سيدي الشيخ محمد بن عنان و سيدي الشيخ محمد المنير و الشيخ محمد
العدل و غيرهم، و لهذا الخلق لذة عظيمة أشد من لذة الغنى كما ذقنا ذلك و للّه
الحمد، و لكن لا تحصل تلك اللذة إلا لمن كمل زهده في الدنيا كما تقدم بسطه مرارا.
و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رأس الزاهدين و كان يقول:
[اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا] و في رواية [كفافا] و هو الذي لا يفضل عن غدائهم و
لا عشائهم شيء منه، و في الحديث [من أصبح آمنا في سربه- أي نفسه- معافى في جسمه
عنده قوت يومه فكأنه حيزت له الدنيا بحذافيرها]، و قد قيل مرة لمحمد بن واسع رحمه
اللّه ألا تأتي السلطان فتسأله شيئا تأكله فإنا نخاف عليك أن تموت مهزولا، فقال:
لأن ألقى اللّه تعالى مهزولا خير لي من أن ألقاه منافقا سمينا، و قيل مرة لإبراهيم
بن أدهم رحمه اللّه تعالى بم نلت هذه الحكمة التي نراك ننطق بها؟ فقال: ببدن عار و
قلب خائف و بطن جائع، و في رواية نلتها بقلة الأكل و قلة النوم و قلة