تعالى و خواص خلقه من أنبيائه و أصفيائه، و
قد ذكرنا في كتابنا الأجوبة عن الأكابر أن معاصي الأنبياء عليهم الصلاة و السلام
صورية لا حقيقية أجراها اللّه تعالى على أيديهم تعليما لهم بالفعل ليعلموا قومهم
كيفية الخروج من المعاصي الحقيقية إذا وقعوا فيها، و كان بكاؤهم أيضا صوريا فاعلم
ذلك يا أخي و ابك على قلة بكائك و ادخل من الباب الذي دخل منه البكاءون من خشية
اللّه تعالى و هو الجوع و عدم أكل الحرام و الشبهات، فإن من شبع من ذلك قسا قلبه
ضرورة كما تقدم لك بسطه مرارا.
و كان عبد الرحمن الأسود إذا اعتلت رجله قام على رجل واحدة إلى
الصباح و لا يترك قيام الليل، و قيل للحسن البصري مرة ما بال المجتهدين أحسن الناس
وجوها، فقال:
لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نورا من نوره، و كانت شعوانة العابدة
تقول لأصحابها: ألزموا قلوبكم الحزن و محبة اللّه ثم لا يبالي أحدكم حين مات، و
كان لأبي بكر بن عياش خطان أسودان في خديه من الدموع، و لما سرق مصحف مالك بن
دينار فكان إذا وعظ الناس بكوا فيقول: كلنا نبكي فمن سرق المصحف، و الحمد للّه رب
العالمين.
كثرة الاستغفار
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة الاستغفار و خوف المقت كلما قرءوا القرآن لشهودهم عدم عملهم به، و كان عبد
اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالى يقول: كم من حامل للقرآن و القرآن يلعنه من
جوفه و إذا عصى حامل القرآن ربه ناداه القرآن من جوفه و اللّه ما لهذا حملت ألا
تستحي من ربك، و اعلم إنه يجب على تالي القرآن أن يروض نفسه على يد شيخ صادق حتى
يلطف كثائفه و حجبه المانعة من العمل بالقرآن و عن شهود عظمة اللّه تعالى، فإنه لو
شهد عظمته عز و جل ما عصاه كما عليه الأنبياء عليهم الصلاة و السلام و كمل ورثتهم
إذ لا يقع أحد في معصية قط إلا مع الحجاب اه.
و قد كان يوسف بن أسباط رحمه اللّه تعالى كلما ختم القرآن يستغفر
اللّه سبعمائة مرة ثم يقول: اللهم لا تمقتني بما قرأته من غير عمل سبعين مرة، و
كان الفضيل بن عياض رحمه اللّه تعالى يقول: حامل القرآن مقامه يجل عن أن يعصى ربه
و كيف يصح له أن يعصى ربه و كل حرف من القرآن يناديه باللّه عليك لا تخالف ما أنت
حامله مني، فلا ينبغي لحامل القرآن أن يلهو مع اللاهين و لا يسهو مع الساهين و لا
يغفل مع الغافلين، و قد كان مالك بن دينار رحمه اللّه تعالى يقول: يا أهل القرآن
ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإن