لتمندل الناس بنا، و لأن أخلف بعدي ثلاثين
ألف دينار أسأل عنها يوم القيامة أحب إلي من أن أقف على باب أحد أسأله حاجة.
و كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: من كان الناس عنده سواء
فليس له صديق، و من لم يسأل عنك بالغدوات و يصلك بالعشيات فاعدده من الأموات و كل
من لم يعدك إذا مرضت و لم يتحفك إذا احتجت و لم يزرك إذا قصرت عن زيارته فمن أخوان
الطريق ثم ينشد قوله:
ألا
ذهب التذمم و الوفاء
و
بادر رجاله و بقى غثاء
و
أسلمني الزمان إلى أناس
كأنهم
الذئاب لهم عواء
إذا
ما جئتهم يتواقعوني
كأني
أجرب الأعضاء داء
أخلاء
إذا استغنيت عنهم
و
أعداء إذا نزل البلاء
أقول
و لا ألام على مقالي
على
الأخوان كلهم العفاء
انتهى، فاعلم يا أخي و فتش نفسك و انظر هل عاملت قط إخوانك بهذه
المعاملات أم فرطت في ذلك جهلا و بخلا، و لا تدعي أنك من الصالحين قط و لو عملت
بأعمالهم فافهم يا أخي ذلك، و الحمد للّه رب العالمين.
إكرام الضيف
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
إكرام الضيف و خدمته بأنفسهم إلا بعذر شرعي ثم لا يرون أنهم كافئوه بإطعامه و
خدمته على تخصيصه إياهم بالإقامة عندهم و إحسانه الظن بهم و عدم اعتقاده فيهم
البخل، و قد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخدم الضيف بنفسه، و كذلك أصحابه
و أتباعهم رضي اللّه عنهم و لما وفد النجاشي عليه صلى اللّه عليه و سلم لم يمكن
أحدا يخدمهم غيره صلى اللّه عليه و سلم و قال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين، و أنا
أريد أن أكافئهم على ذلك. و كان السلف يعدون ليلة الضيف كأنها ليلة عيد لما يحصل
لهم من السرور، و كان أمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه يقول: لأن أجمع نفرا من
أصحابي على طعامي أحب إلي من عتق رقبة، و كان أنس بن مالك رضي اللّه عنه يقول:
زكاة الدار أن يجعل فيها بيت للضيافة، و كان بكر بن عبد اللّه المزني رحمه اللّه
تعالى يطعم الضيف ثم يكسوه إذا أراد الانصراف و يقول: إن فضل إجابته إلى طعامي
أعظم مما صنعت أنا معه، و قد كانت كنية إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام