و هو ساكت و لا يرى له فضلا على أخيه، و
كانوا إذا بلغهم أن على أحد من إخوانهم دينا يوفونه عنه من غير أن يشاوروه عليه، و
كان المديون إذا علم ذلك يسكت و كأنه أوفاه هو من ماله لما يعلم من طيبة نفس أخيه
بذلك، و قد كانت معيشة الربيع بن خيثم و إبراهيم النخعي و عطاء السلمي رضي اللّه
عنهم من صلة الإخوان و لم يكن لأحدهم زرع و لا ضرع و لا غير ذلك.
(قلت) و ما جاء عن السلف من ذمهم ترك الحرفة و الأكل من طعام الناس
مجمول على من يمن بذلك عليهم أو يطعمهم لأجل دينهم و نحوه، و كانوا إذا سألهم أحد
من إخوانهم وفاء دين يوفونه عنه، و يقولون يا ويلنا قصرنا عن البحث عن حال أخينا
حتى أحوجناه إلى سؤالنا، و قد بلغ ابن المقنع رحمه اللّه تعالى أن جاره عزم على
بيع داره لديون عليه فأرسل له ثمن الدار و قال: لا تبعها فإن نفعنا بها أكثر من نفعك
أنت بها طالما جلسنا في ظلها، و كان إبراهيم التيمي رحمه اللّه تعالى يجمع كل قليل
جماعة من الفقراء و يجلسهم في المسجد و يقول لهم تعبدوا و أنا أقوم بخدمتكم و
مؤنتكم، و قد كان ميمون بن مهران رحمه اللّه تعالى يقول: من طلب مرضاة الإخوان بلا
إحسان فقد أخطأ الطريق، و في رواية فليصل أهل القبور، و قد كان أمير المؤمنين علي
رضي اللّه عنه يقول: خير المسلمين من أعانهم و نفعهم، و كان عيسى عليه الصلاة و
السلام يقول استكثروا من شيء لا تأكله النار و لا التراب فيقولون ما هو فيقول
المعروف، فإن من لم تنفعك أيام صداقته فلا عليك منه إن قرب أو بعد ا ه، فتأمل يا
أخي في نفسك و اتبع أقوال سلفك الذين تزعم أنك خلفهم، و الحمد للّه رب العالمين.
شدة المحبة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
شدة محبتهم لاصطناع المعروف إلى الإخوان و محبة الانبساط إليهم و إدخال السرور على
بعضهم بعضا و تقديم إخوانهم في ذلك على أنفسهم و كانوا لا يتوقفون على استحقاق
إخوانهم لذلك و يقولون إن لم يكن أخونا أهلا للمعروف فنحن من أهله، و كان علي رضي
اللّه عنه يقول: اصنع المعروف و لو إلى من يكفره فإنه من الميزان أثقل مما يشكره.
و كان محمد بن الحنفية رضي اللّه عنه يقول: صانع المعروف لا يقع و لو
وقع لا ينكسر، و كان جعفر بن محمد رضي اللّه عنه يقول: إنما حرم اللّه الربا لئلا
يتمانع الناس المعروف، و كان معمر رحمه اللّه يقول: قد صار المعروف و الإحسان
اليوم سلما للسوء حتى قال الناس اتق شر من