و كان عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه
يقول: لا يقدر على كتمان ما يسمع إلا من صح نسبه و أما ولد الزنا فإنه لا يستطيع
الكتمان، و قد ترك بعض إخوان إبراهيم بن أدهم رحمه اللّه تعالى زيارته زمانا ثم
جاءه زائرا فوقع في عرض بعض الناس عنده، فقال له إبراهيم و اللّه إن ترك زيارتك
لنا غنيمة بغضت إلى أخي و أشغلت قلبي فيا ليتك لم تزرنا في هذا اليوم ا ه.
و كان منصور بن زاذان رحمه اللّه تعالى يقول: و اللّه أني لفي جهاد
مع كل من جالسني حتى يفارقني فإنه لا يكاد يسلم من تبغيض صديقي إلي أو من تبليغ
غيبة من اغتباني فيدخل علي الكرب من ذلك، و كان شداد بن حكيم رحمه اللّه تعالى
يقول: إذا رأيتم حسنات أخيكم أكثر من سيئاته فاذكروه بالمحاسن و تجاوزوا عن
مساوئه، و كان يقول من أبغض بقول الناس و أحب بقول الناس أصبح نادما على ما فعل
فإنه قل أن يقع التعديل أو التجريح بحق و إنما يقع ذلك بالعصبية و هوى النفس، و قد
كان خالد بن صفوان رحمه اللّه تعالى يقول: امقتوا النمام و إن كان صادقا لأن
النميمة رواية و قبولها إجازة فيصير قبولها شرا منها ا ه.
فاعلم ذلك يا أخي و احذر من إفشاء سر إخوانك أو غيرهم في هذا الزمان
و لا تقل إني لم أقصد تلك فإنك في النصف الثاني من القرن العاشر صاحب الفتن و
الغرائب، و الحمد للّه رب العالمين.
عيوب الأنفس
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
الاشتغال بعيوب أنفسهم من عيوب الناس عملا بقوله:
[وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ][1]، و
عملا بحديث [طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس]، و أيضا [فإن المطلع على عيوب
الناس معدود من جملة الشياطين] أي البعداء من رحمة اللّه تعالى، و أهل اللّه لا
يرضون لنفوسهم أن يكونوا كذلك، و قد كان زيد القمي رحمه اللّه تعالى يقول: قرأت في
بعض الكتب الإلهية يا ابن آدم جعلت لك مخلاتين مخلاة أمامك و مخلاة خلفك، فالمخلاة
التي خلفك فيها عيوبك و المخلاة التي أمامك فيها عيوب الناس فلو نظرت إلى التي
خلفك لشغلتك عن التي أمامك ا ه، و كان رحمه اللّه يقول: يتيقين أحدكم عيوب نفسه و
مع ذلك يحبها و يبغض أخاه المسلم على الظن فأين العقل، و كان بكر بن عبد اللّه
المزني رحمه اللّه تعالى يقول: إذا رأيتم الرجل موكلا بعيوب الناس فاعلموا أنه عدو
للّه و إن اللّه قد مكر به.