و قد بلغنا أن الكاذب يتطور كلبا في النار و
أن الحاسد يتطور في النار خنزيرا و المغتاب يتطور في النار قردا و كذا النمام، و
كان أبو عبد اللّه الأنطاكي رحمه اللّه تعالى يقول: إن من الغيبة المحرمة أن تثبت
عيب أخيك في قلبك و تترك أن تتكلم به خوفا من عداوته لك، و كان يقول من تجرأ على
التصريح بغيبة أحد جره ذلك إلى أن يصير يقول في الناس الزور و البهتان ا ه.
فأعرض يا أخي على نفسك هذه الأمور و انظر هل سلمت من الوقوع فيها
فتشكر اللّه تعالى أم وقعت فيها فتستغفره، و أكثر يا أخي من الأعمال الصالحة لتعطي
منها أصحاب الحقوق يوم القيامة و اعتقد في نفسك الفسق فضلا عن اعتقادك فيها الصلاح
من كثرة ما تسمع من المحجوبين عن اللّه تعالى في حقك بأنك من الصالحين، و قد قالوا
أجهل الجاهلين من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس، و قبيح على شيخ الزاوية مثلا
أن يجلس في مجالس الغيبة و النميمة أو يقر أحدا على ذلك فإنه يصير فاسقا و هذا أمر
قد استهان به الناس الآن مع أنه أقبح من بيع الحشيش، و مع ذلك فلا يكاد أحد
يستقبحه كل القبح، فلا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم، فاعلم ذلك يا أخي و
اجتنب تلك الصفات و الحمد للّه رب العالمين.
عدم الوسوسة
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
عدم وسوستهم في الوضوء و الصلاة و في القراءة فيها و غير ذلك من العبادات مع
مبالغة أحدهم في الورع إلى الغاية، و ذلك لأن حصول أصل الوسوسة إنما هو من ظلمة
القلب، و ظلمة القلب من ظلمة الأعمال و ظلمة الأعمال من أكل الحرام و الشبهات، فمن
أحكم أكل الحلال فليس لإبليس عليه سبيل مطلقا، و قد أكل قوم من أطعمة الظلمة و
المكاسين و القضاة و المباشرين و من يبيع عليهم من التجار و غيرهم و طلبوا الحضور
مع اللّه تعالى و الخشوع في عباداتهم و معرفة ما فعلوه منها مما تركوه فلم يصح لهم
ذلك.
و كان غاية ما حصله أحدهم العناء و التعب و القفز في الهواء حال
النية في الصلاة كأنه يصطاد شيئا تفلت من يده و تراه إذا كبر يقول اك اك اك اك بار
بار بار و إذا أراد أن يقرأ يقول بس بس بس ال ال ال هي و إذا أراد أن يتشهد يقول
أت أت أت حيات و إذا سلم يقول اس اس اس و نحو ذلك كما هو مشاهد من أحوالهم، و قد
أفتى بعض العلماء ببطلان الصلاة بذلك و قال إنه ليس بقرآن و لا ذكر و إنما هو كلام
أجنبي من كلام الآدميين قاله صاحبه على وجه العمد لا السهو.