و قد كانت فاطمة بنت عبد الملك تقول ما أعلم
أن عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه اغتسل من جنابة منذ ولى الخلافة، و كان الأسود بن
يزيد رحمه اللّه يصوم في شدة الحر حتى يصفر بدنه تارة و يخضر أخرى، فقيل إلى كم
تعذب هذا الجسد؟ فقال: إنما أطلب راحته و نعيمه، و كان مالك بن دينار رحمه اللّه
تعالى قد حفر في بيته قبرا فكان ينزله كل ليلة فيصلي فيه إلى الصباح، قال: و لما
أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان لا ينام ليلا و
لا نهارا، أو يقول إن نمت في الليل ضيعت نفسي و إن نمت في النهار ضيعت رعيتي و أنا
مسئول عنهم، فانظر يا أخي إلى حالك و تأمل قول بعض هؤلاء الجماعة الذين برزوا في
هذا الزمان فأكلوا الحرام و الشبهات و لبسوا الثياب المبخرات و صار أحدهم أكثر ما
يجري على لسانه فضل اللّه تعالى واسع يعني إن أكلنا الحرام لا ينقص لنا مقاما،
فاعلم يا أخي ذلك و ناقش نفسك إن قبلت النصح، و الحمد للّه رب العالمين.
كثرة الخوف
(و من أخلاقهم رضي اللّه تعالى عنهم):
كثرة خوفهم من دخول الآفات في علمهم و عملهم في إرشادهم الأمة إلى ما فيه صلاح
الدنيا و الأخرى، فلا تظن يا أخي أن أحدا منهم كان يحب التقدم في أمر من أمور
الدنيا بل كان أحدهم يكره الفتيا و يقول: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:
[إن المفتي يدخل فيما بين اللّه و بين عباده] و قد كان عبد الرحمن بن أبي ليلى
رحمه اللّه تعالى يقول: أدركت مائة و عشرين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم فما كان منهم رضي اللّه تعالى عنهم محدث إلا و يود أن أخاه كان كفاه الحديث، و
لا مفت إلا و يود أن أخاه كفاه الفتيا.
و كان يزيد بن أبي حبيب رحمه اللّه تعالى يقول: إن من فتنة العالم في
دينه أن يكون الكلام أحب إليه من السكوت و الاستماع، و قد قيل للإمام مالك رضي
اللّه عنه إن فلانا كثير العبادة، فقال: نعم و لكنه يتكلم كلام شهر في جمعة، و في
رواية في يوم، و قد كان الشعبي رحمه اللّه تعالى يقول: جهدنا كل الجهد في إبراهيم
التيمي رحمه اللّه تعالى أن يجلس للناس في المسجد ليحدثهم فأبى، و كان إذا دخل
المسجد لا يستند إلى سارية و لا إلى جدار، و كان الزهري رحمه اللّه تعالى مع وفور
علمه لا يفتي و يقول من أفتى بغير وفور كان للإمام معاقبته لأن المفتي على شفير
جهنم.
(قلت) و لذلك لم يتصدر غالب القوم للفتيا احتياطا لأنفسهم، و كان
الفضيل بن